أمل بنت فهد
أن تشعر بالازدحام دون وجود من يزاحمك.. وتشعر بشيء مهم يتسرب من بين يديك دون أن تدرك ما هو تحديداً.. ويصعب عليك أن تركز على عمل معين.. أو وضعية محددة.. كأن حولك ألف طفل مشاغب.. يجرون ملابسك ولا تفهم ماذا يريدون.. إنها حالة الشتات التي تزورك بين حين وحين.. تفقدك توازنك النفسي دون سبب واضح.. مع الناس ولست معهم.. مع ذاتك ولست معها.. أعتقد أن السبب رغبات مؤجلة تراكمت بفعل التأجيل أو الكبت تعلن عن نفسها بطريقة غاية في الفوضوية والغموض.. ولا يهم السبب فتشخيص الحال في بعض المواضع أهم من المسببات.. لأن الخروج منها مرهون بالتحرك وتغيير الوجهة أكثر منها معالجة عميقة.
الشتات واللا تركيز كأن عقلك طير هائم في ظلماته.. يحتاج منك أن تهتم بالأساسيات التي تقوم عليها حياتك.. وتكرس نفسك للامتلاء بمعنى الاستقرار.. صحة جيدة.. ووضع مادي راكد.. وعلاقات هادئة.. تلك هي كنوز اللحظة المرتبكة.. تعيدك فوراً من رفاهية «التحلطم» والتمني.. إلى واقعية النعم والاستقرار النسبي.. ما أن تشعر بها حتى تستقر أطراف فكرك الهاربة وتعود من حيث طارت دون داعٍ.
مثلها مثل ملفاتك المبعثرة والمفتوحة أمامك دفعة واحدة.. ومن السخف والتحدي دون قضية أن تطالب نفسك بحلها كلها في ذات الوقت.. تحتاج أن تتعلم قيمة التصنيف بين المهم جداً والذي يتوقف عليه مصيرك.. وبين ما يمكن تأجيله دون أن يضرك.. وبين ما هو تكميلي عدمه لا يؤثر.. هل تعرف معنى أن تمارس سلطة الضغط على نفسك؟ وماذا تفعل بك؟
ولأن الجسد لا يكذب ولا يجامل.. فإنه يمنحك الكثير من المؤشرات تدل على حاجته للراحة والاسترخاء.. وعندما تتمادى فإنه يوقفك عند حدك بطريقة مؤلمة وعطب غير متوقع.. كأنه رد اعتبار أمام جشع الطموح الذي تطحنه فيه ليل نهار.. فليست الحياة كلها سباق فرص.. وليست حرباً وليست جدلاً مستمراً.. الحياة حياتك وهي لك.. فلا تكن أنت أول من ينتزع أزهارها من جذورها.. فرق بين استراحة المحارب والتسويف.. اعتني بذاتك ودللها قليلاً.. كفاك تسابق الآخرين وتهرول من أجلهم.. فلن يرفعك إعجاب فلان.. ولن يحط من قدرك احتقار «علان».
وأمر آخر يسرقك من نفسك.. انتبه له فإنه لص في ثياب الثقافة والاطلاع.. لا تجرك أحداث المجتمع البائسة.. وحروب السياسة.. وقصص البؤساء.. وجرائد الفضائح.. وقنوات «الشتائم».. فهي الألم دون قدرة التغيير.. هي الغرق من منظر البحر دون عوم.. هي الاختناق في الهواء الطلق.. هي تعذيب الذات دون داعٍ أو حول أو حيلة.. اعرف ماذا تستطيع أن تقدم.. وقدمه.. كن بحجم المسؤولية التي تخصك.. بالطبع لا أطلب أن تكون بارداً وأنانياً.. إنما واقعي يأخذ من الحزن القدر الذي يناسبه.. لا أكثر ولا أقل.