أمل بنت فهد
الشهرة قد تكون هاجس البعض.. خوفاً من التلاشي في ذاكرة الآخرين ربما.. أو هو الهروب من شبح الوحدة.. فكلما آثرت الابتعاد عن محيط البشر أصبحت أصواتهم وتحركاتهم ضجيج يضخ في روحك وحشة الانسحاب دون أن يشعر بك أحد ولو كنت بين مئات الناس.. تشعر أن الأضواء باتت متوهجة حد إزعاج النظر.. والأصوات كأنما تتضخم عند مسمعك وتصيبك بصداع التشتت.. إرهاق غريب من اقتراب المحيط البشري.. كأنما يغرقك ويسحب الهواء من داخلك.. إنه اختناق بالمعنى الحرفي.. وأكثر من يعيشها من فرض على نفسه إقامة جبرية منفردة وخفية.. يخرج هنا وهناك وهو المحبوس أبداً بين حديث نفسه وتداخل الصور والمشاهد.. يفقد شهية الحوار سريعاً.. ويغيب عن الوجود رغم مظهره المنتبه.. هي عزلة المثقف والعابد على حدٍ سواء.. الأول فقد القدرة على الاستمتاع بتواصل البشر.. والثاني غمرته متعة الاتصال الروحي.. وكلاهما يعيش غربة مع الناس.
الدخول في تلك الغربة بطيء لكنه عميق ويصعب الخروج منه.. إنه فقد القدرة على الشعور بالدهشة أو حتى جذب الانتباه.. ملل سريع بعد وقت قصير من محاولة الانخراط في المجتمع بتعاملاته وشجونه وجنونه أيضاً.
تلك الحالة تفتح باب الأسئلة عن الجمهور وكيف يختار شخصيته التي يعجب بها.. والتي بدورها تشرح التجمهر الكبير الذي يفوز به صاحب البضاعة المزجاة والفقر الثقافي والتسطح المعرفي.. فلا عجب أن تتصدر المجالس فقاعات الشهرة.. ومجانين الكراسي المرتفعة.. ومدّعو العلم والإصلاح.. والمحرضون.. ودعاة الحرب والجهل.. أمام تراجع أهل الرأي والفكر وانشغالهم بعزلتهم الممتدة دون موعد انتهاء.. فعندما يكون المكان شاغراً.. حريٌ باللصوص أن يقفزوا إليه.. ويلونوا العقول بتخبطاتهم التي تخدم مصالحهم وأحلام السلطة والأضواء والاتباع.
لن أقول إنها مسؤليتكم أيها المنعزلون عنا.. إنما البقاء في أبراجكم العاجية يضركم قبلنا.. يقصيكم بعيداً إلى أن ترحلوا الرحيل الأخير.. ربما ينتبه أحد المخلصين للإرث الذي تتركونه من بعدكم ويتبنى نشره.. أو يغيب معكم دون رجعة.. فقدتم اهتمامكم واتسعت الهوة بين عقولكم وعقول عامة الناس.. قرّبتم من يشبهكم فقط.. ونفيتم المختلفون عنكم!
لماذا؟..لأنكم فقدتم القدرة على محبة الآخرين دون شرط.. فقدتم معنى أن يكون لكم رسالة عامة واكتفيتم برسالتكم الخاصة مع أشبهاهكم.. أنقذتم أنفسكم وليغرق من يغرق.. أنتم أنانيون جداً.. وربما لن يقولها لكم أحداً بهذه الصراحة.. لأنكم تعرفون جيداً أن البذور المميزة تنثر في كل مكان دون اشتراط على مزاجية المطر.. ولا يهم متى تنبت.. وتزهر وتثمر.. المهمة العظيمة إنما تكون في البذل وليس انتظار موسم الحصاد.. لأنه قد يتأخر لكنه حتمي الحدوث وإن بدا بعيداً.
لذا عودوا لأماكنكم بين الناس ومعهم.. وانتزعوا مواقعكم من التافهين والمغرضين.. واخدموا البشرية والأوطان.. تلك مهمتكم ورسالتكم.