د.ثريا العريض
في أوضاع ضاغطة سياسياً واقتصادياً، وفي انتظار إعلان تفاصيل برنامج التحول، لابد أن نستوعب مصيرية التخطيط الاستراتيجي. وضع إستراتيجية وطنية شمولية هو تخير تفاصيل مشاريع مترابطة تنفذ لاستدامة نمو الوطن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ولتنسيقها في إطار أفعال لابد من القيام بها بجدولة منطقية، بحيث تكون النتائج المحققة في مرحلة أولى جزءا من مدخلات المرحلة الثانية. وهذا يتضمن أن مؤسسات رسمية عامة وخاصة تتداعم لتحقيق الخطة العامة وتنفيذ جوانب منها، ولذلك فالتنسيق بينها مطلوب على المدى القصير والبعيد وفي كل المراحل. أي أن التنفيذ لا يتم بصورة عشوائية أو فردية التركيز، بل يعتمد على تحديد ودراسة المدخلات المؤثرة على تحقيق أهداف الخطة دعماً أو تثبيطاً، واختيار الاستراتيجية الأفضل لتفعيل المدخلات ومتابعة الناتج للتأكد أن ما يحدث هو المطلوب فعلاً.
التخطيط الاستراتيجي يعني أن هناك رؤية منطقية لأهداف محددة يتم تحقيقها باختيار خطة مدروسة وتنفيذ خطواتها ومتابعة نجاحها بدءاً من تحديد المطلوب إلى تحديد المسؤوليات وتعيين مسؤولي التنفيذ إلى مراجعة نتائجها. والتنمية الوطنية هي التنمية الشاملة للوطن كله كوحدة متكاملة بجهود كل الوزارات والجهات الرسمية والقطاع الخاص والمواطنين.
ويتم تصحيح الفعل بالتعديل إذا جاء الناتج النهائي غير ما خطط له بسبب انحراف المسار. وأحياناً لابد من إعادة تحديد الهدف ليظل مناسباً لمتغيرات المحيط والزمن.
قبل عقود ليست بعيدة حين ارتأى صانع القرار تطوير المجتمع بجدية حازمة حكيمة، ومأسسة الكيان الجديد ليصبح دولة حديثة، قرر نشر التعليم العام دون استثناء الفتيات كما كانت تفضيلات فئة من المجتمع ونجح في تعويد المجتمع على تقبل تعليم المرأة؛ وكانت الإستراتيجية هي فتح المدارس بالفعل وجعل التعليم متاحاً لمن يشاء وحمايتهم من المعارضين. ومن لا يشاء لن يجبره أحد على تعليم أولاده أو بناته. وكانت النتيجة أن من تلكأ في تعليم بناته اقتنع بعد أن رأى النتائج الإيجابية لتعليم الآخرين بناتهم بأن تعليم المرأة أمر مفضل. سرعان ما أصبح تعليم البنات هو السائد المجتمعي.
الآن نقف أمام منعطف مصيري آخر وسؤال يفرضه مرة أخرى حراك الزمن من حولنا: بعد التحضر والتعليم وتضاعف أعداد المواطنين في دولة ما زالت ريعية، ما هو دور المؤسسات والمواطنين في استدامة الفعالية المنتجة والتنمية الشاملة رغم انخفاض الدخل؟.
واضح أننا لا نملك ترف الاتكالية أو استثناء المؤهلات من العمل.
ومرة أخرى نحتاج لقرار حاسم من أعلى يحول وجهة المجتمع ليتقبل التفعيل الكامل. والحمد لله أننا لا نفتقد الرؤية الصائبة لدى صانع القرار، ولا رغبة تفعيل المواطن أو المواطنة لتحقيق سعودة اليد العاملة. ما نفتقده هو إجابة السؤال: كيف نفعل ذلك؟ خاصة وأن هناك حاجة لإقناع الكل بإيجابية القرار مثلما كان الأمر في قرار تعليم البنات. وهنا يصبح التحول عن وضع معتاد ربطناه بخصوصية مجتمعية مفترضة، لا تختلف في هشاشتها وعدم صوابها، عن افتراض أن التعيين براتب مجز هو حق المواطن حتى لو لم يكن مؤهلاً بالمهارة المطلوبة للتوظيف؛ أو أن الأنوثة تلغي حق المواطنة في جدية المشاركة حتى لو كانت أكفأ للموقع.
التحول يعني النجاح في إحداث تغيير في الفكر والثقافة العامة ليصبح الفعل والعرف جزءاً من قوى تحقيق الهدف باقتناع ورضى.