ناصر الصِرامي
عرفته عبر اعماله اولا، وعبر الكوميديا السوداء التي وظفها للتغير والتنوير، وفتح افاق جديدة.
بعض ما كتبه من قصص وسيناريوات تلفزيونية غيرت في المفاهيم الكثير اجتماعيا، واحدثت هزة في طريقة التفكير والتعاطي مع الاشياء من حولنا..!
وما حققه مسلسل طاش ما طاش لوحده ولعقد من الزمن يؤكد ان المسلسل شكل لوحده مشروع تثقيف اجتماعي بطرق ساخرة مباشرة وغير مباشرة.
وعبدالرحمن الوابلي كان من بين ابرز العقول التي رسمت نهج ذلك المسلسل التنويري التوعوي بكل القوالب مهما اختلفت الاسماء وادوار البطولة..!
لكن الراحل عبد الرحمن اختار القلم باستمرار، كان هو اداته للظهور والنقد والتواصل كان يكتب باستمرار وبجلد وجهد ولغة خاصة، لم يتوقف يوما، حتى قبيل رحيله:
«..وكما أن هنالك من يبحثون عن سلب حقوق الإنسان المادية، وهم الأثرياء الجشعون؛ كذلك هناك من يبحثون ويسعون إلى سلب حقوق الإنسان المعنوية وبكل صلافة وعدوانية، وهم المؤدلجون، خاصة من يطرح منهم نفسه كرمز، يجب أن يتبع ويطاع وإلا هلك الناس وكل شيء ضاع. إذاً، فهنالك تكالب على سرقة حقوق الإنسان المادية منها وكذلك المعنوية من الثري الجشع والمؤدلج البشع، وهذا ما يجعل الإنسان بدون حقوقه هذه أقل من الحيوان قيمة، حيث الحيوان على الأقل يتمتع بحقوقه المادية. ولا يعني هذا أنه لا وجود لأثرياء خيرين ولا مؤدلجين إنسانيين، ولكننا هنا نركز على الثري الجشع والمؤدلج البشع..»
و»الإنسان السوي يسعى دوما إلى الحفاظ على عقله ويجهد في تنميته وتطويره، كي يحتفظ بآدميته؛ ولا ينزلق في المزالق الدنيا من الحيونة والتوحش. ومن وسائل الحفاظ على العقل وتنميته هو العلم- المعرفة».
تلك السطور من المقال الاخير المنشور للوابلي بجريدة الوطن قبل اسبوع من رحيله، هي تقريبا ملخص الرسالة التي حملها الوابلي لتحريك العقول وانفتاحها نحو مساحات ارحب بحجم الكون والوجود.
حين التقيته قبل سنوات في ورشة عمل مع جامعة جورج تاون عقدت في مدينة صقلية الايطالية، تعرفت به عن قرب لايام، كان عبدالرحمن وظل انسان مرح صادقا، وما جعله مميزاً حتى في رحيله انه صاحب رسالة تنويرية للانسان تثقيفية ونقدية، لم يتخل عنها او يتردد يوما فيها.
صعب ان تكتب بتفاصيل اكثر عن شخص بذلك القلب والود والرسالة لكن الكتابة كما علمنا هو هي خليط من الحزن والكوميديا والامنيات، وهي الملاذ الامن للتعبير عن الفرح او الحزن ..او حتى بعض الغضب.
كلما كانت الكلمات ترسم صورا صادمة، تقدم الواقع دون تزيين او تزويق، كلما خلقت جدلا، والجدل هو بداية الوعي بالواقع..!
هكذا اخبرنا الكاتب التنويري عبدالرحمن الوابلي قبل رحيله...غفر الله له..