د. خيرية السقاف
أشد أنواع الضرب إيلامًا ليس العصا..
فأوقع على النفس ألمًا ضرب اللسان، والناس كانت تعبِّر عن هذا..
كذلك وخز البنان شديد الوقع في الجوف؛ فالنفس حين تُجلد ليس كما يُجلد الجسم؛ لذا قالوا «إن ألم الجسم يبرى ويروح، لكن ألم النفس يبقى في القلب جاروح». هكذا تلقيت العبارة مذ صغري..
لذا من الناس من يتجنب ضرب العصا، بضرب الكلمة باللفظ مقولة، ومكتوبة..
كذلك العين تضرب بنظرة حازمة لمحيا مقطِّبٍ...!
والسلوك حين يجنح في الفرد يربَّى الإحساس نحوه بالضرب عند عامة الناس..
لكن المجدي، المؤثر في آن هو الضرب المهذب غير المبرح،
وأرقاه أن تصيخ عمن تربي حين يخطئ، أي تهمله قليلاً، وتتجنب الحديث معه، إلا لمامًا بعد أن تستنفد وسائل توجيهك بأن تسمعه جُملك المحفِّزة، وتلقمه أبعادَك المؤثرة، وتبسط له نتائجها الموجبة..
هو ذا الأنفع في تربية الصغار، ومعاقبة النشء، وأخذهم لمسالك اليقظة العامة فيهم، يقظة ضمائرهم، ويقظة وعيهم، ويقظة رشدهم، وتمكين مداركهم من التقاط اللمحة في مزالق الخطأ الموجب للضرب ليكونوا على بينة من سبل الاتقاء.. عند نفاد صبرك بدوام أخطائهم، وتكرارها.
أما ضرب العصا غير المبرح فلعل له مناسباته وحالاته، إن عظم اقتراف الخطيئة من المرء، وتمكن مجراها في مسالكه بعد إيذان الرشد فيه، ولعل خير المثال هو ضرب الحدِّ الشرعي الذي يعرف: بالجلد.
أما في تربية الأبناء فالذي يجدر بالوالدين وبالمعلمين أن ينحوا اتجاه ضرب الضرب بصمت، وبإشارة وبكلمة، وإن كتبت في سطور يجدها الصغير قبل نومه، أو بعد استيقاظه عند وسادته، أو على حافة كتابه، قبل أن ينام، أو بعد أن يستيقظ، تتيح له الجلوس قليلاً مع نفسه، والتفكُّر في مسلكه، والتعرُّف على ضعفه، وما أخطأ، أو تجاوز، أو أساء فعله، أو قوله، فسوف يكون على اعتذار، ويبدأ يومه في بياض.. وذلك بعد حوار هادئ معه لم يؤت ثماره.
إن هذا السلوك نوع مهذب للضرب، يبقي للناشئ كرامته حتى يكبر، ويعزز ثقته؛ ليكون إنسانًا فاعلاً، ويمنحه بالاً طويلاً لاحتمال نزقه داخل صدره وهو غرٌّ، ويمكن قدرته من علاج نفسه أولاً بأول من أخطائه في جميع مراحل حياته، ويحفظ له شخصية سوية تتأهل للاتباع بالاقتداء.
هكذا نصنع الرجال والنساء المؤثرين تعاملاً، وخلقًا، وتفاعلاً مشاركًا في الحياة.
من نعومة طفولتهم، وطفولة تعلمهم.
فهو منهج سلام، وإبداع جيل لا تشوب نفسه آلامٌ، ولا تعثِّر تفكيره آلامٌ.
وتتطوف في مخيلاتهم نماذج والدَيْن ومعلمين مثاليين مؤسسين فيهم الإحساس، بانين حسن الخلق، معززين الأمان الداخلي في صدورهم.
فيما يطمئنكم كثيرًا كثيرًا..
والله لن يضيع حصادكم..
فلنكن في أبنائنا وطلابنا مبدعين للسلام بلا عصا..!