جاسر عبدالعزيز الجاسر
يقطعون مياه البحار على متن سفن عتيقة، وفي بعضها يتكدس في جوفها وعلى ظهرها أضعاف ما هو مسموح بها؛ والبعض الآخر لا يمانع أن يقطع ما تبقى من مياه البحر سباحةً بعد أن تغرق السفن المقلة لهم. يبيعون أراضيهم، وحلي زوجاتهم وكل ما ملكوا لكي يحصلوا على تأشيرة دخول للدول الأوروبية التي أصبحت حلماً للعديد من المهاجرين العرب والأفارقة.
أحياء عديدة في العواصم الأوروبية يتكدس المهاجرون عرباً وأفارقة وآسيويين، معظمهم مسلمون؛ بعضهم مسلم بالانتماء، لأنه وجد نفسه مسلماً لأبوين يرجعان إلى هذه الديانة السماوية السامية.. وبعضهم لا يعرف عن الإسلام إلا الاسم، والبعض اعتنق ديناً لا علاقة له بالإسلام، وأخذ ما يتوافق مع عقدته وإحباطاته فتحوّل مجرماً إرهابياً، يعتقد أنه يدافع عن الإسلام عبر هذا النهج المرفوض.
كل هذه الفئات التي فتحت الدول الأوروبية حدودها، واحتوتهم وآوتهم، قدمت لهم العمل والدراسة والطبابة، يرد لهذه الدول الجميل بتنفيذ جرائم إرهابية تحيل أمن الأوروبيين إلى قلق دائم وتوجس مستمر، وتحول حياة الآخرين من الجاليات الإسلامية التي قصدت أوروبا للعيش الكريم إلى قلق وخوف يصل إلى حد الرعب.. الرعب من الترحيل، والعزل، وحتى القتل بعد ازدياد حالة الفوبيا من المسلمين الذين تحوّل بعضٌ منهم إلى إرهابيين.
والسؤال الذي يطرح من كلِّ مسلم وعربي محب لأمته ودينه:
- لماذا معظم العمليات الإرهابية تنفذ من عرب ومسلمين مهاجرين إلى أوروبا؟.. هل البيئة التي قدموا منها غرست فيهم هذا الإجرام؟..
- هل يتعرضون للتهميش والإهانة والقهر مما يجعلهم على استعداد للانتقام؟..
- هل هم عرضة للاستغلال من أنظمة عربية وإسلامية معينة توظفهم لتنفيذ أجنداتها القذرة؟..
تقريباً كل هذه الأسئلة محتملة، بل بعضها مؤكد، ومع أن حكومات الدول الأوروبية حاولت دمج الجاليات العربية والإسلامية في مجتمعاتها، إلا أن الحظ لم يحالفها كثيراً، وإن نجحت مع بعض الجنسيات العربية التي اندمجت في المجتمعات الأوروبية التي اتجهت للعمل فيها. كما أن الجاليات الإسلامية والعربية التي تجد احتراماً وتعامل بأسلوب جيد، نراها أكثر بعداً عن تنفيذ الأعمال الإرهابية.
والملاحظة الأكثر تأكيداً هي أن الجاليات التي تأتي من بيئة متعلمة ومثقفة تكون الأقل تورطاً واستغلالاً من الأنظمة التي تجندها.. ومع هذا فإن المؤسسات العربية والإسلامية السيادية والقيادية عليها أن تتدخل وأن تمنع الأنظمة والجماعات الإرهابية من استغلال الجاليات الإسلامية والعربية في دول المهجر حماية لأفراد هذه الجاليات، ولتحصين سمعة العرب والمسلمين.. وإن لم تستطع أن تمنع تلك الأنظمة والمنظمات الإرهابية عليها أن تفضح أعمالها وتسلط الضوء عليها لمحاصرتها؛ وهذا دور: جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي والأزهر في مصر والزيتونة في تونس وجامع باريس ومشيخة المسلمين في بريطانيا.. وأن تكون هذه المؤسسات واضحة لا تجامل أيّ نظام أو أيّ جماعة، فلا يمكن السكوت على ما قاله ما يسمى بمفتي سوريا المدعو حسون الذي هدّد بإرسال انتحاريين إلى أوروبا، لمجرد أن حكوماتها عارضت نظام الحكم في سوريا.
ولا يمكن السكوت على دعم ملالي إيران للجماعات والمليشيات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان التي تقدم الدعم والمساعدة للإرهابيين الذين يعيثون فساداً في أوروبا وغيرها. كما لا يمكن التغطية على أعمال حزب الشيطان في لبنان وجماعات الإخوان المسلمين الذين لهم علاقات بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع الإرهابيين الذين أضرّوا بصورة الإسلام والمسلمين وقطعوا أرزاق المسلمين في أوروبا وغيرها من بلدان العالم.