فيصل خالد الخديدي
يعيش المشهد التشكيلي المحلي هذه الأيَّام حراكاً غير مسبوق في موسم نشط في شتى أنحاء الوطن، ولكن تبقى جدة الأبرز نشاطاً والأكثر حراكاً، حتى غدت بوصلة الفن تتجه لقلبها النابض جدة، حيث قدمت ولا زالت تقدم الكثير من الفن من خلال الجهات الخاصة والصالات الفنية، وقليل من الجهد للمؤسسات الثقافية الفنية الحكومية التي وإن قدمت فهو جهد أشبه بأنشطة الكشافة أو المعارض المدرسية التي يتقزم فيها الفن ويتضخم بها الحدث وإعلامه.
إن الحراك الدائم لمدينة جدة يجعل المتلقي أمام وجبة فنية فكرية متنوعة وغنية بالجمال والإبداع، وتعدد الجهات المنظمة والداعمة للفعاليات أعطى ثراء وتنوعا وخيارات أوسع للفنان التشكيلي في المشاركة وإظهار إبداعاته، فالفنون التشكيلية حاضرة في معظم الفعاليات، وهو حضور أكثر من جيد وفاعل في صناعة حراك يليق بهذه الجهود، وعلى الرغم من الجهود المنظمة التي أقيمت بها الفعاليات إلا أن بعض العشوائية كفيلة بأن تفسد شيئا من متعة العمل أو تغير مساره، بل إن تدخل بعض الداعمين وأصحاب رؤوس الأموال في أدق تفاصيل أعمال الفنانين وتوجيه الأعمال الفنية والفعالية لأهدافهم ورؤاهم الخاصة، أظهرت أعمال بعض الفنانين بمظهر المسوخ التي لا تنتمي لشخصية الفنان الحقيقية ورسالته، فتعامل أصحاب رؤوس الأموال مع الفنانين كدمى تتحرك وفق توجههم لا يليق بالفعل الثقافي الفني، واستبدال الداعمين دورهم من التسويق للفن والأعمال لمحاولة التدجين والقولبة، هو ما جعل الكثير من الفنانين الجادين يحجمون عن المشاركة والتنازل عن مبادئهم لأجل أي طارئ.
إن الجمال يصل دونما ثرثرة ولا إزعاج، والأعمال الفكرية والمفاهيمية والتجهيز في الفراغ تضيف للفن والفنان ولا تهدم، ولا تسيء للساحة وتظهرها بشكل عاجز عن التجديد وخاضع للتقليد الأعمى، والشباب طاقة وفكر لن يقف أمامه توجيه أو تقنين، فالإبداع كالسيل يعرف طريقه من الأرض مهما كثرت العقبات أو المواجهات، وهو ما لُمس في بعض التجارب الشابة الجادة رغم الضجيج والصخب غير المبني على فكر ولا وعي في بعض ما عرض، وذلك لم ولن يلغي التجارب الناضجة والأعمال المؤثرة فتجربة أيمن يسري في أعطني الضوء تجربة جادة، وعلى الرغم من استعادته شيئا من مسيرته إلا أنه قدم عملا ناضجا، وقسطاس أحمد حسين قدم صدق إحساس وعمق فكرة رسمت حدود ملامحنا بميزان وأرقام في بحث عن جوهر الأشياء، وقدم زمان جاسم نفسه وشخصيته من خلال عمله الآخر، وأجاد الفنان خالد عريج في طرح فكري وفني متزن ومبهر في عمله ما قبل الطوفان، هي نماذج أعمال قدمت فكرا وطرحا عميقا ولم تكن الوحيدة بل كان الفن حاضراً بتنوعه من خلال معرض منيرة موصلي وأعمال بكر شيخون وعبد الله حماس وعلا حجازي وسكنه حسن وحسين علي وعوض أبو صلاح في معرضه الثنائي والصادق عجينه في معرضه الشخصي والتعدد اللوني والفني في طرح شريحة مهمة في التشكيل السعودي، من خلال أعمال الفنانات في معرض (مبدعات) ومعرض رباعيات لفهد الحجيلان ومحمد الثقفي وحمدي أبو المعاطي وأيمن السمري.