د. جاسر الحربش
بدأ يتبلور عندي إحساس متفائل بأن الجنون الذي يعصف بالمنطقة منذ أكثر من ثلاثين سنة مقبل على فترة هدوء. منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط مسكونة بعفريت خبيث، ما أن يحبسه العقلاء في القمقم حتى يطلقه السفهاء، وغالبا بإيحاءات وتشجيع من غرباء عن المنطقة بالكامل. يوجد مستفيدون ومتضررون من قدرات هذا المارد التدميرية، ولكن هذه القدرات قد وصلت إلى حدود مرعبة. مارد المنطقة القديم له عدة رؤوس بعدة أسماء، أغلبها فتن كبرى ملتبسة بالسياسات كفانا الله شرها، والآن نبت له رأس جديد اسمه الرأس النووي.
أصبحت المنطقة في أمس الحاجة إلى حكماء عقلاء من أهلها بدون وسطاء أجانب، للتفكير الجدي في كيفية إرجاع المارد التاريخي إلى القمقم وإلقائه في غياهب إحدى المحيطات إلى الأبد.
يجب أن يكون السؤال الأكبر عن المستفيد الأول وربما الوحيد من فترة الجنون القائمة. قد يوجد مستفيد ثان وثالث وأكثر، لكن مع الفارق أن المستفيد الأول هو الذكي الوحيد، أما الآخرون فأغبياء ولكن بدرجات متفاوتة وهم في النهاية متضررون لا محالة. تتعرض المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود للتخريب وتسميم العلاقات بين أهلها التاريخيين. المخرب والفاعل الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية، مع مراعاة الفرق بين مرتكب الفعل وبين المستفيد من الفعل. المخرب الأكبر ليس بالضرورة هو المستفيد الأول. الطرف الفاعل الثاني في التخريب والتسميم هو ذلك الذي جعل تصدير ثورته المذهبية إلى خارج حدوده أولوية سياسية وعقائدية. التقاء أهداف الفاعل الأول مع أهداف الفاعل الثاني مجرد صدفة تاريخية سيئة، قامت على مصلحة تكتيكية ظرفية تفتقر إلى إستراتيجية يسندها المستقبل. التاريخ المتوتر الطويل بين الطرفين يقول بوضوح أن الثقة بينهما مفقودة وأنهما يمران حاليا فقط بفترة لقاء عابر فرضته مصالح مؤقتة.
الفاعل الثالث في عملية التخريب والتسميم هو التسييس المذهبي، وهو مولد الطاقة للمارد الذي يحبسه العقلاء ثم يطلقه السفهاء. التسييس المذهبي لم يخدم سكان المنطقة عبر تاريخهم كله بما يفيد، وكل ما قدمه لهم كان نبش العداوات وسفك الدماء وخراب الديار. أصحاب التسييس المذهبي ينتمون دائماًً إلى الماضي، ليس لديهم ما يقدمونه للمستقبل، يكرهون التعايش ويخافونه لأنهم يكشف عوراتهم الدنيوية ويصرف العوام عنهم، فيفقدون الجاه والمال وتبور بضاعة التحريض والتكفير والاستعداء فيتحولون إلى مفاليس. المنتفع بالتسييس المذهبي لا يرى سوى بعين واحدة هي عين مصلحته الخاصة، ومن يتبعه من العوام تنقصه البصيرة حتى ولو له عينان، ولكن تضامن الاثنين يستطيع في الفترات الحرجة من التاريخ إحداث كم هائل من التخريب والتسميم في داخل مجتمعاته الخاصة أولا قبل إحداثه في الطرف المضاد. هذا هو الفعل الذي أحدثه التسييس المذهبي في إيران وتم تصديره إلى الجوار فكانت الاستجابة رد فعل معاكس، بتسييس مذهبي مضاد يتمرد حتى على مجتمعاته التي يدعي الجهاد لحماية ثوابتها والدفاع عنها.
هذه هي الأطراف الفاعلة في التخريب والتسميم، وكلها لن تربح شيئا يقاس بما سوف تخسره أو خسرته بالفعل، ولكنها هي المسؤولة المباشرة عن شقاء شعوب المنطقة.
يبقى السؤال عن المستفيد الأول والوحيد سوف أقبل التهمة الجاهزة بنظرية المؤامرة بصدر رحب. يوجد طرف تحققت له كل الفوائد من تخريب وتسميم المنطقة بدون أن يكون شريكا مرئيا ً في كل حروب الخليج وفي غزو العراق وفي انتشار الإرهاب في المنطقة، وأهم من ذلك في دفع الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى العبث بالمنطقة وتحطيم بناها التحتية وإفقارها.
هذا الطرف الخفي يمسك برقاب حكومات العالم من حيث تدري أو لا تدري، لأنه يتحكم بالإعلام العالمي وبالشركات العملاقة والبنوك ومراكز الجاسوسية.
حاليا ً بدأت أشعر ببصيص أمل في انكشاف اللعبة أمام أتقياء وعقلاء وحكماء وحكام المنطقة، أما الشعوب فلو تركت لبعضها بدون تسييس لتعارفت وتعايشت، وسبق أن فعلت ذلك مرات ومرات.