د. جاسر الحربش
لا أعتقد أن عضو مجلس الشورى الذي طالب وزارة الثقافة والإعلام بالحجر على من لا يعجبه من كتاب الرأي والصحفيين يعرف مهمات وزارة الثقافة والإعلام، أو أنه يعرف ولكن يتمنى أن تتصرف الوزارة بناءً على ما يرى.
لا أظنه أيضاً يعرف الفرق بين الرأي المجاز والمفتوح على الملأ للاطلاع وبين الإعلام الخفي الدساس الذي يتعامل مع الرأي الآخر بمقاييس تتستر بالحرص على الوطن والمواطن لخدمة أجندات فئوية، وهذه هي معضلتنا الأولى مع الشبكة العنكبوتية.
مما هو معروف للمواطن أن وزارة الثقافة والإعلام مكلفة بمهمتين أساسيتين إعلامياً، إطلاع المهتم المحلي والأجنبي بما تنجزه الدولة وتخطط لإنجازه وفتح الأبواب لتبادل الآراء العلنية حيال ذلك، بالإضافة إلى مهمة احتضان وتشجيع الآراء التنويرية في الشأنين العام والخاص، للارتقاء بإدراك وثقافة مواطني الدولة.
الإخلاص لهاتين المهمتين يتطلب التعامل العادل والمنفتح على كل العقول، بشرط أن تكون بناءة وغير متحيزة وأن تجيزها الرقابة النوعية في مؤسسات النشر المرئي والمسموع والمقروء. نظام العقوبات في حالات الإخلال يتكفل بالمساءلة وإنزال العقوبة المستحقة.
هكذا وبهذا الوضوح يصبح الخوض التعميمي والعشوائي في سمعة وضمائر أصحاب الرأي والكتابات الصحفية وتحريض وزارة الثقافة والإعلام على كسر أقلامهم نوعا ظاهراًً ولكنه متماثلا مع أنواع الاستعداء الخفي الذي يمارس على الشبكات العنكبوتية، وخصوصا إذا تم استخدام المنبر الاستشاري التشريعي (مجلس الشورى) لهذا الغرض.
جاء فيما تناقلته الصحافة المحلية أن ذلك العضو الموقر في مجلس الشورى زعم بأن إعلامنا الوطني يستهدف الدين والعقيدة والوطن، وجاء أيضاً انتقاده لوزارة الثقافة والإعلام لصمتها عن حرب التيارات الفكرية التي تشهدها الساحة، داعياًً إلى أن تضطلع المؤسسة البرلمانية (نيابة عن وزارة الثقافة والإعلام؟) بهذا الدور، وجاء كذلك أنهم وظفوا أدواتهم (هكذا) للتقسيم وتصيد الأخطاء بغض النظر عن مصلحة الوطن.
هذه جملة اتهامات من الوزن الثقيل، من شأنها لو ثبتت أن تعرض الوسائل الإعلامية التي نشرتها والمسؤولين الذين أجازوها والمرتكبين المفترضين لهذه الجرائم، من شأنها أن تعرضهم جميعاًً للاتهام بخيانة الدين والعقيدة والوطن، بما يترتب على ذلك من عقوبات الخيانة الكبرى. في حالة عدم ثبوت هذه التهم من خلال تحقيقات منصفة ومنهجية، تبقى البينة على المدعي أمام نفس مجلس التحقيقات، فإن لم تثبت فلا أقل من المطالبة بإعادة النظر في استمرار تكليف العضو الموقر بمهمة استشارية تشريعية على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية.
كنت معتاداًً على التعايش مرغماً مع سموم الشبكة العنكبوتية ضد كتاب الرأي من جهات معروفة بعاطفتها الإيديولوجية وتسييسها لاحتكار الرأي في الشؤون العامة والخاصة، فأصبحت الآن أخشى من انتقال العدوى إلى المؤسسة الاستشارية التشريعية التي اختارت الدولة أعضاءها لتحقيق التوافق الوطني من خلال النقاش الحر والتقبل المتبادل تحت قبة مجلس الشورى لخدمة نفس الأهداف الصالحة للجميع. باستعمال المصطلح الدارج على الألسنة، الكرة أصبحت الآن في مرمى وزارة الثقافة والإعلام.