هدى بنت فهد المعجل
يرى ألبيرتو مورافيا في روايته الاحتقار أن «الآلية تتيح لنا أن نعيش بلا تعب يتجاوز حدوده، وذلك حين تجعلنا غير واعين لمعظم حركاتنا». وقصد بالآلية أن يتعامل الإنسان مع الأشياء والأفعال والأشخاص من حوله تعامل آلة مُفرغة من الإحساس والشعور ومعزولة عن العواطف والانفعالات.
الآلة إذا قصرت في واجبها، أو أبطأت في عملها، أو تعطلت، أو تخطت العمل المطلوب منها إلى عملٍ آخر وعنّفناها، أو «خبطنا» بيدنا عليها، أو شتمناها، لا تتأثر، لا تدرك الذي فعلناه معها، لا تبكي، لا تحزن، لا تفعل أي شيء يُذكر من فعل الإنسان إذا قصر في واجبه، أو أبطأ في عمله، أو تعطل عن العمل، أو تخطّى العمل المطلوب منه إلى عمل آخر فعنفناه، أو «خبطنا» عليه بيدنا، أو شتمناه. ما هو شعور الإنسان عندما يتلقى أفعالاً سيئة تجاهه وردود أفعال، أو أقوالاً وردود أقوال!؟. لا شك سيتعب، سيحزن، سيتألم ألماً متجاوزاً الحدود. لماذا؟ لأنه يعي معظم حركاته وحركات الآخرين نحوه. مجمل تعب الإنسان من الإنسان أو من نفسه في موقفه من ذلك الإنسان. بل إن درجات التعب متفاوتة. منّا من يتعب تعباً مضاعفاً شديداً ومقلقاً، ومنّا من تعبه معقول، وبيننا من لا إحساس لديه، فهل نعتبر هذا الشخص الذي لا إحساس لديه أنه يعيش بآلية؟. أو هل نستطيع أن نعيش بآلية معزولين عن التعب الذي يأتي عن الشعور والأحاسيس والعواطف؟.
عثرت في مفكرتي على عبارة مدونة هي ليست لي ولا أعرف لمن تقول: «الشخص الوحيد الذي يستمر معك طول حياتك هو -أنت- فلا تحمله ما لا يطيق من الحزن والهم». لا يعني هذا العيش بآلية تماماً، إنما عدم العيش بحساسية زائدة إضافية مبالغ فيها تحيل حياة الفرد منّا إلى عالم من الحزن والهم والكآبة عند «أبسط» موقف مؤلم يواجهه في حياته مع نفسه أو من الآخرين.
بعضهم تكمن مشكلتهم في فهمهم للذي تلقوه من الآخرين عندما يفهمون عكس الحقيقة، أو يسيئون الظن في الذي تلقوه منهم، بالتالي يفهمونه فهماً خاطئاً ويتعاملون مع الآخرين بناء على الفهم الخاطئ، يتخذون موقفاً منهم، يعادونهم أو يقاطعونهم. يحرقون نهارهم وليلهم بالتفكير: لماذا فعلوا ذلك! ماذا فعلت لهم حتى يتصرفوا معي ذلك التصرف!!. الفهم الخاطئ يدفع الإنسان لأن يضع احتمالات غير صحيحة، ويؤلف توقعات من ذهنه، بمعنى يجهد عقله وجسده وتفكيره في أشياء أساء الظن بها ربما لأن من طبيعته سوء الظن بالآخرين، بالإضافة إلى فهم الشيء وفهم الكلام والأفعال بخلاف مقاصدها. هذه النوعية من البشر عيشها بآلية أفضل من عيشها بأحاسيس ومشاعر وعواطف؛ طالما أنها توظف هذه الأحاسيس والمشاعر والعواطف توظيفاً خاطئاً قوامه سوء الظن وفهم المقاصد بناء على الذي ترسب في أذهانهم ورسخ في عقولهم. بالتالي نستفيد من عبارة ألبيرتو مورافيا بوجه آخر وصورة ثانية، وهي أن آلية سيئ الظن وسوداوي المقاصد تتيح لنا أن نعيش بلا تعب يتجاوز حدوده «منه»، وذلك حين تجعله غير واع لمعظم حركاتنا بالتالي إساءة الظن بها: لأنه انتقل للعيش بآلية.