هدى بنت فهد المعجل
حيوانات البوليب «حيوانات مائية بسيطة كالمرجان ونحوه ونجم البحر»، تجدد نفسها وتشكل أفراداً جدداً رغم كونها تتقطع إلى أقسام صغيرة. تركيبتها البسيطة عبارة عن فم محاط بعدة زوائد يساعدها على التغذية. تفرز حول نفسها مادة كربونات الكالسيوم لتكون لنفسها هيكلا خارجيا صلبا. هي لا تكبر عن طريق زيادة حجمها،
إنما تكبر عن طريق زيادة أعدادها من خلال الانقسام النصفي «كل بوليبة تنقسم لنصفين». لكل بوليبة هيكلها الخارجي الخاص بها لذلك تتجمع الهياكل الخارجية للبوليبات لتكوين الأساس لما يعرف بالحياة المرجانية. تتغذى البوليبات كل على حدة على الرغم من انتمائها لمستعمرة واحدة. بالنهاية تموت البوليبات الأولى ولكن تبقى هياكلها الخارجية. و بانقسام البوليبات الجديدة تزداد المستعمرة حجما وتكبر أفقيا باتجاه الأعلى. حين يموت البوليب المرجاني يترك وراءه هيكله الخارجي، الذي يكوّن أساسًا لبوليب آخر يبني فوقه هيكله الخاص به، وبالتالي تتكون الشعاب المرجانية من طبقات عديدة من هياكل البواليب الميتة، تغطيها طبقة رفيعة من البواليب الحية. تعيش معظم البولبات مع بعضها في مستعمرات. وتلتصق حيوانات المرجان الحجرية بعضها مع بعض بلوح مسطح من نسيج يتصل بوسط كل جسم. ويمتد نصف بولب المرجان فوق اللوح، والنصف الآخر تحته. وتبني البولبات المرجانية هياكلها من الحجر الجيري بتناول الكالسيوم من ماء البحر. ثم تُرسّب كربونات الكالسيوم (الحجر الجيرى) حول النصف الأسفل من جسمها. وبينما تنمو البولبات الجديدة، يزداد تدريجيا تكوين الحجر الجيري. حس مشترك بين هذه الحيوانات الرخوية دفعها لبناء مستعمرة أجزاء منها قائمة على هياكل ميتة انبنت عليها بوليبات جديدة من أجل بقاء المستعمرة وتمددها. فما هو الحس المشترك؟. هو القوة التي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة كما عرّفها «الجرجاني» أو هو القوة النفسية التي تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة في الحواس الخمس متأتية إليه منها كما عرّفها «ابن سينا». من وجهة نظر الفلسفة الحس المشترك : هو القوة التي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة، فالحواس الخمس الظاهرة، كالجواسيس لها، فتطلع عليها النفس من ثَم فتدركها. ومحله مقدم التجويف الأول من الدماغ، كأنها عين تتشعب منها خمسة أنهار.
إذاً الحس مشترك يُشكّل قوة إذا تبادلته الجماعات بين بعضها بعضاً وتبادلته الدول. وفي غياب الحس المشترك تتلاشى القوة وتضعف الجماعات، والدول بالتالي يسهل دخولها والتصرف فيها وإعادة تركيبها أو تضييع هويتها وبناء هويات جديدة غير هويتها، ربما لا تلائم الجماعات ولا الدول.
الحس المشترك إذا تمزّق تمزقت الجماعات والدول وكل من تفتقد الحس المشترك بين بعضها بعضاً. الأفكار والمعاني يمكن أن تشكّل قوة إذا تم تعاطيها بحس مشترك.
الفلاسفة القدماء استخدموا الحس المشترك وأرادوا به القوة الداخلية التي تدرك الأشياء، قوة موازية للقوة الخارجية، قوة الحس التي ترتبط بالحواس الخمس. بعد ذلك اكتسب الحس المشترك بعداً آخر وشمل المعاني التي يتفقون عليها فيما بينهم. الشتات الناتج عن الاختلاف، الحس المشترك يقوم بمهمة جمعه. فإذا تضاربت الآراء واختلفوا في الفكرة قرّب بينهم الحس المشترك مهما كان مقدار قوة هؤلاء، فحيوانات البوليب رخوية بهيكل ضعيف لكن لأنها تكبر بالانقسام، وينبني على هيكل بوليب ميت بوليب آخر شكّلت مستعمرة من الأسفل للأعلى مكوّنة شعباً مرجانية جميلة. كل كائن حي يبحث عن صمام أمان من أجل البقاء والاستمرارية والقوة، الحس المشترك يحقق لها صمام الأمان هذا، حيث لا قيمة للأشياء والأفكار والآراء ما لم يجمعها حس مشترك يؤلف بينها وإلا تمزّقت المجتمعات بتمزق الحس المشترك.