هدى بنت فهد المعجل
أشار عالم الحيوان النمساوي «لورينتس» (مؤسس علم سلوك الحيوان الحاصل على نوبل عام 1973م) إلى أن العدوان عند الذئاب لا يدوم بقدر ما يدوم العدوان عند الإنسان. فالذئاب تتقاتل بكل شراسة. ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى أحدهما أنه مغلوب لا محالة، فإنه يقوم في الحال بإجراء حركات استرضائية وينتهي القتال. ليس من العادة أن يستمر القتال حتى الموت عند الذئاب.
وليس لديهم لغة مشحونة بالانفعالات يستطيع بواسطتها أن يبقي دوافعه العدوانية نشطة فعالة، وإن انقضى السبب المباشر للعدوان.
وفي شأن العدوان الإنساني، يؤكد العالم «كونراد لورنز»، وهو متخصص في السلوك الحيواني، أن العدوان الإنساني ينبع بالأساس من غريزة النزال، والتي يشاطرها غيره من الحيوانات. حيث أشار إلى أن غريزة العدوان في الإنسان والحيوان تخدم غرضين أساسيين: الأول هو تحفز الصنف الحيواني للانتشار والهجرة، وذلك بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من مصادر المحيط، وهذا يتضح من مسالك العنف التي تبديها الحيوانات نحو بعض أفرادها.
أما الوظيفة الثانية التي تخدمها غريزة العدوان، فهي ضمان بقاء الأقوى والأصلح، مما يضمن إقصاء الأضعف من البقاء ودوام الأقوى بالتكاثر. العدوان عند الحيوان فعل مباشر ويتم بقدر ما يجلبه العدوان من منافع له، بينما الإنسان يتجاوز هذه الحدود، فهو الكائن الوحيد الذي يمارس القتل والتهجير من أجل القتل نفسه، وهو الوحيد «أيضاً» الذي يمارس العدوان والحروب المنظمة بجميع صورهما المرعبة، كي يخلق الأذى النفسي والجسدي في المعتدى عليه.
حسب علماء الحيوان، نادراً ما يمارس الحيوان العنف والإيذاء والعدوان ضد حيوان آخر من فصيلته نفسها، ولو حصل فلأغراض محدودة جداً، منها حماية الصغار أو للحفاظ على التكاثر. أما ممارسته العدوان ضد أصناف أخرى من الحيوانات فهي لأغراض الدفاع عن النفس أو لسد دافع الجوع. ماذا عن الإنسان بشأن ممارسته للعدوان على من يمارسه؟
معظم أعمال الإنسان العدوانية موجهة ضد صنفه الإنساني، وعندما يوجهه للحيوان يكون مجرداً من أي عاطفة، مما يثير الكراهية والبغض والغضب والعنف! لم يتوقف الإنسان عند هذه النقطة ويكتفي، فقد اتجه للتفنن بتطوير أساليب العنف والاعتداء، وتولى تنمية المفهوم الاجتماعي للدمار وإلحاق الأذى بالآخر وعلى النفس. لقد عوّض الإنسان مستوى قدرته البيولوجية والعضلية والفطرية في العدوان والعنف والدفاع عن النفس بلجوئه لمختلف أساليب التقنية، واعتماده على أسلحة الدمار الشامل من أجل إبادة مجتمعات بشرية بكاملها في فترة زمنية وجيزة، تدلل وتؤكد وتثبت ما انتهى إليه علماء الحيوان أن العدوان والعنف عند الإنسان أكثر تعقيداً من العدوان والعنف عند الحيوان.