فضل بن سعد البوعينين
من الطبيعي أن تسعى الحكومة إلى مراجعة إنفاقها بما يتوافق مع متغيرات الدخل؛ وأن تجتهد في الجانب الرقابي لضمان تفعيل برامج الترشيد؛ ورفع كفاءة الإنفاق. جريدة «الجزيرة» كشفت عن توجيهات عليا بمساءلة أي موظف مهما كانت مرتبته أو درجته يخالف ضوابط تعليمات الترشيد ورفع كفاءة الإنفاق.
تفعيل تعليمات الترشيد كما هي دون تمييز؛ قد لا يضمن تحقيق هدف «كفاءة الإنفاق»؛ بل ربما تسبب في هدر وضياع المال العام. فالمشروعات الحكومية تحت التنفيذ ربما توقفت نهائياً بسبب وقف الإلتزامات المالية المخصصة لها؛ تحت عذر «ضبط الإنفاق» ما يعني فقدان المنجز منها؛ أو حاجتها المستقبلية للصيانة المكلفة في حال العودة لاستكمالها مستقبلاً؛ هذا خلاف ما يتسبب به تأخير إنجاز المشروعات من ضرر وخسائر فادحة للتنمية والإقتصاد.
يجب أن نُقر ببيروقراطية العمل الحكومي؛ خاصة ما تعلق منها بصرف المستحقات المالية للشركات المنفذة؛ وإجراءات التعاقد وتسليم المشروع. فكثير من مراحل المشروعات المنفذة على أرض الواقع لم يتم اعتماد صرف مستحقاتها المرحلية من قبل الجهة المسؤولة عن تلك المشروعات ما سمح بتراكم اعتماداتها المالية في الحسابات الحكومية لسنوات.
مراجعة حسابات المشروعات الحكومية الدائنة من قبل الرقابة المالية؛ كشفت عن تضخم أرصدتها غير المستغلة؛ ما حمل الحكومة على سحبها إعتقادا بعدم الحاجة لها!. بالرغم من أهمية «كفاءة الإنفاق» الدائمة؛ فمن الواجب ألا تؤثر سلباً على المشروعات تحت الإنشاء والتي أنجزت بعض مراحلها؛ إلا أن تكون مشروعات (عبثية) كان من الأولى عدم اعتمادها ابتداءً!!.
التركيز على تحقيق «كفاءة الإنفاق» ربما تسبب في إبعاد الحكومة عن الجانب الأكثر أهمية وهو «تنمية الدخل» من خلال تحقيق كفاءة التحصيل وتشديد الرقابة وتحقيق النزاهة ووضع برامج التحفيز والمحاسبة ذات العلاقة بتنمية الدخل الذاتي؛ وتحصيل المستحقات؛ وتنمية الاستثمارات الحكومية في الداخل. الرسوم المحدثة؛ وإعادة تسعير الخدمات جزء من برامج تنمية الدخل الحكومي؛ إلا أن تطبيقها لا يخلو من التحديات. فتعرفة المياه خلقت ردات فعل غير متوقعة من المستهلكين الذين اطمأنوا إلى تأكيدات معالي وزير المياه بعدم تضرر غالبية المواطنين منها؛ حتى تفاجؤوا بفواتير متضخمة تفوق كلفة بعضها تكلفة استهلاك الكهرباء.
يبدو أن دراسة تعرفة المياه لم تبن على معطيات دقيقة مرتبطة بالمجتمع السعودي ما سمح بتشوه مخرجاتها السعرية؛ ما قد يقود لإعادة تقييم التعرفة الجديدة لتحقيق التوازن بين التعرفة والدخل من جهة؛ والاستهلاك والترشيد من جهة أخرى.!.
كان من الممكن للحكومة أن تركز بشكل أكبر على الرسوم غير المحصلة؛ أو الاستثمارات المهدرة في الداخل؛ وقنوات تنمية دخل الوزارات والمؤسسات الحكومية؛ وهي تفوق في مجملها ما قد يتحقق من إيرادات مالية مرتبطة برفع تسعير بعض الخدمات الضرورية. العلاقة بين الفساد وضعف دخل بعض الوزارات من أهم الملفات الواجب غلقها بعد معالجتها قانونياً ورقابياً؛ إضافة إلى محاسبة المتقاعسين عن استغلال المقومات الاستثمارية المتاحة لأسباب مرتبطة بالكفاءة أو الإهمال.
مع غياب مؤشرات قياس دخل الوزارات؛ المؤسسات؛ والهيئات الحكومية؛ وغياب برامج التحفيز والمحاسبة؛ والتقييم المرتبط بتعظيم الدخل من خلال الاستثمارات المتاحة؛ وخفض الفاقد منها؛ يصبح المسؤولون على درجة واحدة أمام الحكومة؛ برغم اختلاف مخرجاتهم؛ وجودة أعمالهم؛ ونوعية إبداعاتهم في تنمية الاستثمار وتوفير موارد مستقلة عن اعتمادات الموازنة.
الالتزام ببرامج «كفاءة الإنفاق» أمر مفروغ منه؛ ويفترض أن يكون جزءاً من الممارسات العفوية للوزراء؛ المحافظين؛ ومسؤولي الإدارات الحكومية؛ دون الحاجة للتذكير أو التهديد بالمساءلة؛ ولكن ماذا عن «تنمية الدخل» والإبداع الاستثماري الذي يمكن أن يحقق إيرادات غير منظورة؛ أو غير متوقعة من قبل الحكومة؛ ويمكن أن يكون مصدراً للتمويل الذاتي لمشروعات كل جهة حكومية على حدة؛ بعد ضبط الصرف على المشروعات.
وزارة الشئون البلدية والقروية؛ أمانات المناطق؛ المؤسسة العامة للموانيء؛ هيئة الطيران المدني؛ وبعض الوزارات؛ المؤسسات والهيئات الأخرى؛ والمدن الصناعية؛ إضافة إلى مسؤولي إدارة الصناديق الحكومية؛ يمكن أن يُخضَعُوا لمؤشر قياس أداء الربحية الذي يتعامل بشكل أكبر مع توليد الدخل؛ وتعظيم الاستثمار بما يساعد على تنويع مصادر الدخل وزيادة حجمه. ربط ديمومة المسؤول في منشآته الحكومية بإنتاجيته من جهة؛ وحجم العوائد المحققة من جهة أخرى سيحفز على الإبداع والعمل بكفاءة؛ وسيبث روح المنافسة في القطاعات الحكومية أسوة بقطاع الشركات.
التعامل مع الوزارة أو المؤسسة الحكومية ذات القدرة على توليد الدخل؛ وفق فلسفة عمل مجالس إدارات الشركات مع رؤسائهم التنفيذيين؛ هو الحل الأمثل لتحقيق كفاءة العمل؛ الإنفاق؛ وتنمية الدخل؛ وهو ما أرجو أن يتبناه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية ضمن مؤشرات القياس المزمع تطبيقها على القطاعات الحكومية.