فضل بن سعد البوعينين
برغم الحاجة، اضطرت أرامكو السعودية في مرحلة البدايات الأولى، لصيانة سفنها البحرية في «البصرة» و»البحرين»، واستمرت على ذلك فترات طويلة. لم تكن الصناعات البحرية هدفاً من الأهداف الإستراتيجية، أو ربما كانت هناك أهداف أخرى أكثر إلحاحاً منها. مع مرور الوقت، وازدياد الحاجة، وفرت أرامكو بعض احتياجاتها الأساسية، دون التوسع فيها. وبعد أن نشطت الصناعات البحرية، ونما الطلب على خدماتها، دخلت بعض دول الخليج طرفاً فيها فأنشأت أحواضاً عملاقة قادرة على تقديم الخدمات البحرية لغالبية أنواع السفن. في السعودية، بادر القطاع الخاص للاستفادة من قطاع الصناعات البحرية وفق إمكاناته المتاحة، وتمكن من تحقيق نجاحات لافتة مكنته من صناعة بعض أنواع السفن محلياً لتلبية الطلب المحلي وتصدير جزء منها للخارج.
يبدو أن أرامكو السعودية باتت أكثر اهتماماً بالصناعات البحرية، وبخاصة السفن العملاقة، لارتباطها المباشر بصناعتها النفطية. توقيعها مذكرة تفاهم مع مجموعة «هيونداي هيفي إندستريز» كانت البداية العملية لإنشاء قطاع جديد يضاف إلى قطاعات الصناعات السعودية، غير أن تغير الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض أسعار النفط حمل البعض على الاعتقاد باستحالة إقامة المشروع لأسباب مالية صرفة.
«المنتدى السعودي الرابع للصناعات التحويلية» كشف عن عزم أرامكو المضي قدماً في المشروع، بعد توقيعها مذكرة تفاهم مع الهيئة الملكية في الجبيل وينبع مذكرة من أجل «تنفيذ برنامج الصناعات البحرية في مدينة رأس الخير الصناعية»، وهو المشروع الحيوي الذي سيُشكّل إضافة نوعية للصناعات السعودية بشكل عام، وصناعات منطقة «رأس الخير» بشكل خاص. اعتماد الموقع العام، وتجهيز البنية التحتية وتوفير الطاقة الكهربائية من أهم مراحل المشروع الحيوي. التخطيط الإستراتيجي لمشروعات منطقة رأس الخير سيحقق، بإذن الله، التكامل الأمثل بينها، ويتفادى الكثير من المعوقات المستقبلية.
إنشاء قطاع الصناعات المساندة للمجمع وتطوير برامج تدريب خاصة للشباب السعودي سيسهم في تنمية قطاع الصناعات البحرية من الناحيتين الاستثمارية والعمالية شريطة اكتمال قطاع الصناعات المساندة، وتشغيله بالتزامن مع إنجاز المشروع. بقيت المساحات المخصصة للصناعات التحويلية والمساندة في مشروع «بترورابغ» خالية من الاستثمار ما حرم المستثمرين والمنطقة والاقتصاد من إنشاء قطاع متكامل للصناعات التحويلية المرتبطة بمخرجات مصانع «بترورابغ». قد لا تكتمل فائدة الصناعات الضخمة ما لم تنشأ حولها صناعات صغيرة ومتوسطة تسهم بشكل أكبر في رفد الاقتصاد، وخلق الوظائف، وتوليد الفرص الاستثمارية للسعوديين.
رئيس أرامكو السعودية المهندس أمين الناصر، شدد في كلمته التي ألقاها في «منتدى الصناعات التحويلية» على أهمية تحقيق أهداف برنامج «اكتفاء» لتوفير احتياجات أرامكو محلياً وبنسبة لا تقل عن 70% بحلول العام 2021.
أحسب أن تنفيذ مشروع الصناعات البحرية جاء متوافقاً مع أهداف «اكتفاء» وبرامج الحكومة الرامية إلى توطين الصناعة، وخلق مزيد من الوظائف والفرص الاستثمارية، وتنويع مصادر الاقتصاد.
المهندس الناصر تحدث أيضاً عن خطط أرامكو الطموحة لزيادة إنتاج الغاز لنحو مثليه في العقد المقبل، أي ما يقرب من 23 مليار قدم مكعبة يومياً، إضافة إلى تحقيق توازن أفضل بين إجمالي طاقة التنقيب والإنتاج البالغة 12 مليون برميل يومياً من النفط الخام وطاقتها التكريرية، وهو أمر لافت، ومطمئن، في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة. قد لا تتوقف استثمارات أرامكو السعودية في رأس الخير على مجمع الصناعات البحرية، فرؤية الشركة الإستراتيجية، تؤكد على إمكانية التوسع في الاستثمارات الصناعية وبخاصة الصناعات التحويلية، مستقبلاً وبما يحقق هدف تنويع مصادر الاقتصاد ودخول أرامكو مجالات صناعية أخرى.
عوداً على بدء، فشراكة أرامكو الأولى مع الهيئة الملكية وسابك أثمرت عن إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وخلق قطاع الصناعات البتروكيماوية، في الوقت الذي ستثمر فيه شراكتها الحالية عن إنشاء قطاعي الصناعات التعدينية والبحرية إضافة إلى دعم قطاع الصناعات التحويلية مستقبلاً.