فضل بن سعد البوعينين
تنشغل الحكومات في البحث عن وسائل ناجعة لتحقيق النمو المستدام، وخلق فرص عمل، وزيادة الدخل ومعالجة أزمتي البطالة والفقر، وبناء الاقتصاد على أسس متينة قادرة على الصمود في مواجهة الأزمات والمتغيرات العالمية. تختلف النتائج بحسب الجهود، والخطط الإستراتيجية، وكفاءة العمل، وتبقى فرص النجاح متاحة للجميع.
باتت الصناعة، المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية، والضامنة - بعد الله - لتحقيق النمو المنشود، والعلاج الأمثل لحكومات الدول النامية الباحثة عن إرساء قاعدة التنمية المستدامة، ونشر ثقافة الإنتاج، وزيادة الدخل، وخلق فرص وظيفية واستثمارية نوعية.
وبشكل عام، تشكل الصناعات التحويلية قاعدة مثلى للتحول الاقتصادي من خلال خلق قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة تسهم في زيادة الإنتاج المحلي، وتلبية الطلب وتحقيق الاكتفاء من السلع، وتعظيم الصادرات وتنويع قاعدة الإنتاج وتحقيق التوازن الاقتصادي، إضافة إلى قدرتها الفائقة على بناء قاعدة عمالية محترفة، ونشر ثقافة العمل والإنتاج الصناعي.
دأبت الهيئة الملكية للجبيل وينبع على إقامة «منتدى الصناعات التحويلية» لإيمانها التام بأهمية الصناعة، والصناعات التحويلية بشكل خاص، وانعكاساتها المؤثرة والإيجابية على التنمية الاقتصادية. ينعقد المنتدى في دورته الرابعة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مدينة الجبيل الصناعية وبمشاركة المهتمين بالصناعات التحويلية على المستويين المحلي والعالمي، إضافة إلى خبراء من مراكز البحث والتطوير وبيوت الخبرة الاستشارية والهندسية والبيئية.
تحفيز الاستثمار الصناعي في الجبيل وينبع من المهام الرئيسة لـ «الهيئة» ما يجعلها أكثر حرصاً على توفير البيئة المناسبة لها، إضافة إلى عقد المنتديات القادرة على جمع القطاعين الحكومي والخاص والخبراء المعنيين بتطوير الصناعات وتنمية الاقتصاد لمعالجة التحديات وتشكيل رؤى مستقبلية داعمة للمدن الصناعية ولقطاع الصناعة بشكل عام.
استكمال سلسلة الإنتاج الصناعي وبما يحقق القيمة المضافة للاقتصاد أمر غاية في الأهمية. أكثر من 85 في المائة من المواد البتروكيماوية الأساسية يتم تصديرها للخارج، ما يفقد الاقتصاد فرصاً استثمارية مرتبطة بتوطين الصناعات التحويلية وتنويع قطاعات الإنتاج.
تشير بيانات وزارة المالية إلى أن حجم الواردات السعودية من السلع قد بلغ العام 2015 ما يقرب من 532 مليار ريال، في الوقت الذي بلغت فيه الصادرات غير النفطية 176 مليار ريال، أي ما نسبته 33% من مجمل الواردات. تشكل واردات السلع المتنوعة فرص استثمارية غير مستغلة للمستثمر السعودي والأجنبي، في الوقت الذي تشكل فيه الصناعات التحويلية التي تعتمد مدخلاتها على مخرجات الصناعات الأساسية قاعدة التنوع الصناعي، ومفتاح التحول المنشود. منتدى الصناعات التحويلية السعودية، من أهم المنتديات المتخصصة والاحترافية التي يشارك بها خبراء ورجال مال وأعمال وشركات عالمية، وأحسب أنه من الأدوات المشكلة للرؤى المستقبلية والإستراتيجية المعنية بالصناعة. يركز برنامج التحول الوطني في بعض جوانبه على تنويع مصادر الاقتصاد وتحفيز الاستثمارات الخاصة، وأحسب أن المنتدى في مضمونه ورؤاه المستقبلية قد أسس قاعدة الانطلاقة المثلى في هذا الجانب.
ما زالت مخرجات المنتدى، في الثلاث دورات السابقة تبحث عن من يتبناها ويدعمها، ويجعلها من الأولويات المهمة لا ضمن الخيارات المتعددة. مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية معني بمتابعة مخرجات المنتديات النوعية المتخصصة، خاصة ما أرتبط منها بالصناعة وتطوير الاقتصاد. التحدي الأكبر هو في قدرة القائمين على المنتدى، والاقتصاد الوطني في تحويل أوراق العمل والأفكار إلى مشروعات على أرض الواقع، ومع إيماني التام بحرص «الهيئة» على ذلك، إلا أن تبني مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لمخرجات المنتدى، وتضمينها برامج التطوير قد يسهم بشكل أكبر في تحويل الرؤى إلى خطط تنفيذية فاعلة.
أختم بأهمية ربط بعض الصناعات التحويلية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فالتوسع في الشركات الكبرى لا يسهم في خلق الوظائف المأمولة، ويقلص من عدالة الفرص الاستثمارية، ويحرم المبادرين الشباب من البدء في مشروعات صناعية صغيرة تعتمد في مدخلاتها على مخرجات الشركات الصناعية الكبرى. ما زال المبادرون الشباب يعانون من منافسة جائرة من الأجانب، ومن تجار الشنطة الذين ينجحون في الحصول على العقود ثم يعيدون بيعها من الباطن بعد الحصول على حصتهم منها. تحقيق نزاهة القطاع الصناعي، ودعم المبادرين الشباب واحتضانهم، وسن سياسات تفضيلية داعمة لهم، وتقديم المشورة ونوعية المشروعات المطلوبة من الحلول الواجب تبنيها من القطاع الصناعي والجهات المنظمة والمشرفة عليه.