فضل بن سعد البوعينين
شكلت الزراعة اقتصاديات أحساء ما قبل النفط؛ وأسهمت في تحويل واحتها إلى قبلة للزائرين والباحثين عن الفرص التجارية والاستثمارية. عُرفت الأحساء بطبيعتها الساحرة؛ ومدارس العلم؛ ومجالس الأدب؛ ومزارع النخيل الوارفة وأنواع الفواكه و الخضروات؛ وشكلت بخيراتها؛ سلة الغذاء الأكثر أهمية وتنوعا لسكان المنطقة.
سيطرت أسواقها الرئيسة على حركة التجارة المزدهرة في الخليج؛ ساعدها على ذلك موقعها الإستراتيجي وميناء العقير الحيوي أحد الموانئ الرئيسة آن ذاك. وكنتيجة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية والتنموية والبيئية في المنطقة؛ تنازلت «محافظة الأحساء» عن بعض مكاسبها واحتفظت لنفسها بأصالة التاريخ؛ والفكر والأدب وروعة المكان وطيبة الإنسان.
ومثلما تقف النخلة شامخة أمام الظروف البيئية القاسية؛ وقف المزارع الأحسائي شامخا أمام الظروف واجتهد للمحافظة على مكتسباته ومقدرات منطقته التي نجحت في تصدير التمور قبل تصدير النفط ومشتقاته. أصبحت صناعة التمور من الصناعات المزدهرة في الأحساء وأحسب أنها تجاوزت بآلياتها الحديثة صناعة التمور التقليدية السائدة من قبل.
«مهرجان تسويق تمور الأحساء المصنعة»؛ كشف عن تقنيات تصنيع وتغليف حديثة أسهمت في إعطاء التمور مكانة مستحقة لدى المستهلكين. أنواع مختلفة من التمور المصنعة وفق احتياجات السوق ورغبات المستهلكين هي أقرب بمكوناتها المبتكرة إلى الحلويات المحببة لجميع شرائح المجتمع وفئاته السنية؛ منها إلى التمور التقليدية. يقال في الأمثال الأحسائية: أن «نصف المال نظرة» وأجزم أن عمليات التغليف وطرقها المبتكرة أضفت على صناعة التمور الأحسائية رونقا جميلا أسهم في تسويقها لشرائح متنوعة من المستهلكين. ما زلت أعتقد أن تصنيع التمور وفق معايير التصدير العالمية هو الطريق الأمثل لدعم زراعة النخيل في الأحساء بشكل خاص والمملكة بشكل عام. وجود خطوط إنتاج مستقلة في مزارع النخيل قد يسهم في تسهيل عمليات النقل والمعالجة والتصنيع؛ إلا أنه سيرفع التكلفة على المصنعين. إنشاء مصنع متكامل بمساهمة المزارعين أنفسهم سيساعد على خفض التكاليف؛ رفع كفاءة الإنتاج؛ ودعم صناعة التمور وفق آلية موحدة. إضافة إلى ذلك فتحقيق متطلبات التصدير في حاجة إلى مركز إرشاد وتوجيه يسهم في وضع معايير التصنيع المتطابقة مع احتياجات الدول المستوردة وبخاصة دول الغرب.
صناعة التمور في حاجة ماسة إلى دعم أكبر من الحكومة؛ إذا ما أردنا تحقيق كفاءة الاستثمار في مزارع النخيل التي باتت تستنزف موارد المزارعين ولا تحقق لهم إلا النذر اليسير من الأرباح؛ التي يستأثر بها التجار والمصنعون والموزعون من ذوي الملاءة والقدرة التصنيعية. وزارتا الزراعة؛ والتجارة والصناعة مسؤولتان عن دعم صناعة التمور وربطها بالمزارعين أنفسهم الذين يواجهون بمنافسة شديدة من الأجانب والطارئين على سوق التمور في المملكة.
«مهرجان تسويق تمور الأحساء المصنعة» لم يقتصر على عرض صناعة التمور؛ ومنتجاتها فحسب؛ بل ضم أيضا ركنا خاصا للحرف اليدوية المزدهرة في الأحساء والمرتبطة بشكل أكبر بالنخلة وصناعاتها التقليدية. أكثر من 15حرفة كانت ممثلة في المعرض؛ قدمها حرفيون من البيئة الأحسائية. دعم الحرف اليدوية هو دعم للإنتاج الأسري وللحرف التي توشك على الإنقراض إن لم نحرص على رعايتها وفق رؤية إستراتيجية تعتمد الإستثمار أساسا لها. برنامج «بارع» من البرامج التنموية الناجحة في رعاية الحرفيين.
«معرض عبير الأحساء» كان من الإضافات الرائعة للمهرجان. مزج التراث بالفن والثقافة من أدوات جذب الزائرين؛ وتحفيز الفنانين الباحثين عن منصات لعرض إبداعاتهم وتسويقها. مشاركة عدد من الفنانين التشكيليين من داخل المملكة وخارجها، وعرضهم أحدث إنتاجهم الفني، أعطى المهرجان بعدا جميلا وقيمة مضافة. مساهمة مجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية، ورعاية رئيسته الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي آل سعود للمعرض أسهم بشكل كبير في تحفيز المشاركين ودعم المبدعين وإرساء منصة فنية استفادت بشكل كبير من زخم المهرجان؛ لتنشيط ودعم الحركة الفنية والإبداعية في محافظة الأحساء.
العمل الجماعي وتكاتف أهالي الأحساء ساعد في إنجاح «مهرجان تسويق تمور الأحساء المصنعة»؛ الذي دعم اقتصاديات المزارعين والمصنعين؛ وأسهم في دعم الحرفيين؛ والأسر المنتجة؛ وساعد في خلق مجموعة من المناشط الفنية الداعمة لثقافة المحافظة وتراثها العريق.