إبراهيم عبدالله العمار
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}.
من أشهر الآيات، خلّدت قوماً تخليداً مذموماً، يُذكرون عبرةً لمن بعدهم، وقد ذُكروا عدة مرات في القرآن، وأتت سورة باسم نبيهم هود عليه السلام، وسورة الأحقاف مسمّاة على مساكنهم، وقصتهم المعروفة أنّ هوداً أُرسل ليدعوهم إلى التوحيد، وكانوا مشركين يعبدون أصناماً منها صنم اسمه صدا، وصمود والهباء، {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، لكنهم قابلوا نبيهم بالتكذيب، واستمروا على ذلك سنيناً، وحذّرهم هود مغبة تكذيبهم، فلم يزدادوا إلا سخرية وتكذيباً، حتى حُبس عنهم المطر، ثم خرجوا يوماً فرأوا سحاباً واستبشروا: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.
من يقرأ هذه الآية قد يسأل: أين مساكنهم؟ نعرف أين مساكن ثمود مثلاً، وهي الحِجر أو مدائن صالح كما تسمّى اليوم، لكن أين مساكن قوم عاد؟ هل فكرت في هذا من قبل؟
أما أنا فلم أفكر كثيراً في هذا، حتى وقعتُ على كتابٍ اسمه «الطريق إلى أُبَر»، حيث قام مستكشف أمريكي بالبحث عن آثار قوم عاد في أواخر الثمانينات الميلادية، ونشر نتائج الرحلة في ذلك الكتاب، وهو كتابٌ جاذب مدهش، وأستغرب أنه غير معروف لدينا خاصة وأن قصة قوم عاد مجهولة للغربيين، ورأيت أن أضع هذه القصة الخلابة هنا لنعرف المزيد من أخبار هذه الأمة التي جاء ذكرها كثيراً في القرآن للعِظة والاعتبار، واليوم أول حلقة، نبدأها باسم الله.
المؤلف اسمه نيكولاس كلاب، وهو عاشق آثار أمريكي اشتهر بتصوير الأفلام الوثائقية، وبدأ اهتمامه بقوم عاد ومدينتهم المفقودة لما قرأ كتاب ألف ليلة وليلة، وأتى فيه قصة عن شيء يسمى المدينة المتحجرة، مدينة غامضة، ملأى بالذهب وماسات ضخمة كبيض النعام، لا أحد يدري أين هي، أحياناً تأتي في الكتاب بدون اسم، وأحياناً أتى أن اسمها ... إرَم.
غاص نيكولاس في البحث، وأقوى ما شدّه خريطة وضعها العالم اليوناني بطليموس للجزيرة العربية، وشدّته لأنّ بطليموس عاش في القرن الثاني الميلادي، فهو أقرب زمنياً للأقوام الماضية من العلماء المعاصرين وحتى من علماء ومؤرخي القرون الوسطى الذين وصل لنا الكثير من علمهم، ووَجَد نيكولاس على الخريطة في جنوب الجزيرة العربية منطقة سماها بطليموس «السوق العُماني»، وبجانبها كلمة لاتينية بمعنى «الأُبَريين» (من أُبَر)، وفكر نيكولاس: هل هذا مكان قوم عاد؟ هل أُبَر اسم مدينة؟ لكن كل ما أتى عن تلك المنطقة لا يشير إلى أن هناك أناساً استقروا هناك. تَفَحّص الخريطة ورأى كلمة معناها «أرض البخور». ربما السوق العماني له علاقة بتجارة البخور؟ لكن ما علاقة قوم عاد بهذا؟
موقع المدينة على الخريطة القديمة غير واضح، فالخريطة صغيرة والكتابة كبيرة، ولا يمكن تمشيط منطقة ضخمة كهذه، وأخذ يفكر في طريقة لتحديد المنطقة، وتَذكّر خبراً عن قمر صناعي صنعته وكالة ناسا الفضائية وجد آثاراً لحضارة المايا أسفل غابة كثيفة، ولكن ما الذي سيجعل ناسا تستمع إليه؟ لا ضير من المحاولة، فاتصل عليهم وقال إنه يريد الاستعانة بقمرهم الصناعي – الذي سينطلق قريباً – للبحث عن مدينة مفقودة، واستطاع إقناعهم أن يصوروا جنوب الجزيرة العربية.
انتصار! بدأ نيكولاس يجمع فريق البحث من العلماء، وانطلقوا جميعاً لجنوب الجزيرة وتحديداً قرب جبال ظفار في عمان للبحث عن أطلال قوم عاد. ماذا رأوا هناك؟ هل وجدوا المدينة؟ هذا ما سنراه في مقالة قادمة.