د.عبدالعزيز الجار الله
هناك من يصدق عبارة (التاريخ يعيد نفسه)، والبعض لا يصدقها، بل يرون أن التاريخ مثل النهر لا يرتد على نفسه ويجري عكس مساره، إنما قد يغير مجراه بفعل الإنسان أو الهزات الأرضية، أو الحالة المطرية التي تفتح مسارات جديدة، وفئة أخرى ترى أن التاريخ قد يعيد نفسه ولكن بأشكال مختلفة وأساليب جديدة، الوطن العربي ثم العالم الإسلامي يعيش مخاضاً جديداً، ولادات صعبة فالولادات يرافقها ألم إلا ولادات العمليات التي تتم تحت المخدر، والعرب في حالة مخاض سياسي حقيقي، فالربيع العربي بكل أحزانه والمآسي التي سببها لدوله فقد بدأت مرحلة التصحيح تطل والبدء كان من تونس التي استردت أنفاسها سريعاً، ومصر فقد استردت عافيتها من حمى الربيع العربي وهي في طور التشافي، وبقي العراق الذي استيقظ أخيراً ليدرك أن مشاكله السياسية هي من هيمنة إيران على قراراته، وليبيا ستتعافى لأنها جدار أوروبا الجنوبي، والغرب لن يرضى بدولة فاشلة وهشة على حدوده، واليمن في طريقها للتعافي وولادة يمنٍ جديدٍ - بعد توفيق الله - على يد التحالف العربي من خلال عاصفة الحزم التي قادت التحول، وبقيت سوريا التي يدور حولها التاريخ يعيد نفسه.
ما هو مستقبل سورية وشكلها السياسي هل: تتفكك، تقسّم، فيدرالية، دولة عربية، دولة على نسق الأموية الإسلامية؟.
التفكيك والتقسيم والفيدرالية هي العودة إلى الطائفية السياسية والتصنيف العرقي والإقليمي والدويلات تحت غطاء سياسي، أما دولة عربية فيعني الوحدة السياسية والجغرافية والسكانية للدولة السورية الحالية، أما الدولة الإسلامية (الأموية) فهي نظرة تاريخية للخلافة الإسلامية الثانية بعد العاصمة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة المنورة ثم انتقلت إلى دمشق،ثم بغداد زمن بني العباس والسلاجقة، ثم القاهرة في عهدي العباس والمماليك، وأخيراً إسطنبول زمن العثمانيين.
المكون السوري العرقي والمذهبي يذهب لصالح العرب والسنة، فالسجل التاريخي لسورية من بداية الخلافة الراشدة في الربع الأول من القرن الهجري الأول وهذه معطياته ومؤشراته استمر حتى انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية وبداية الاستعمار الأوروبي في بداية القرن الماضي حوالي (100) سنة مضت بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تعاقبت حكومات سنية وغير سنية حتى حكومة الأسد العلوية عام 1971م، فالحقيقة الشاخصة أن العرب يمثّلون (90) بالمئة من سكان سورية، والسنة (85) بالمئة من السكان، والأقلية الباقية من (العلويين، الدروز، المسيحيين، الآشوريين، الكلدان، السريان، الأرمن، الآراميين، الشركس، الأكراد، التركمان) وصلت إلى قناعة بعد الحرب 2010م بأن بقاءها في سوريا العربية والسنية أصبح صعباً باستثناء الأكراد السنة كونهم موزعين ما بين دول متجاورة في الحدود: تركيا، سورية، العراق، إيران.. وهذه الدول لا تسمح قيام دولة كردية لأنها ستقتطع من أراضيها.