علي الخزيم
مصارعةٌ واقتتالٌ مُنظّم بين الجمال والخراف، وحتى الدّيَكة لها حَلَبَاتها وجمهورها الذي يَفِدُ لمشاهدة العراك بين الحيوانين أو الطائرين حتى نهاية التطاحن بانتصار أحدهما إمَّا بموت الخصم (بالنطحة والرفسة والنقرة القاضية) أو انسحابه من ساحة المبارزة بهروبه منهزماً، وبنو آدم ذوي العقول وقوفٌ عليها مبتهجين بطريقة عراكها واقتتالها وهم من أثاروها وحَثّوها على الانفعال والالتحام، كواحدة من ممارسات العنف والقسوة ضد أعاجم الحيوان، وبدم بارد كما يقال.
شكل آخر من الجور ضد الحيوان ما تم عرضه في فترات قريبة مضت من حرق للثعلب خاطف الدجاج، والذئب مفترس الخراف، ودهس الكلب الذي لم يفهم مراد صاحبه ففعل ما يفهمه هو بغريزته فكان ثمن صِدقه وإخلاصه تحطيم رأسه تحت عجلات سيارة الإنسان المُتجبّر، وحرق الحمار الذي لم يَعْصِ الأوامر ويعمل بصمت (وهو محدود العقل)، لولا أنه فعل ولمرة واحدة ما خالف مزاج ابن آدم وإملاءات عقله (الكبير) المريض، وصاحب عقل كبير آخر يطارد جمله مُقَيّد اليدين ويصدمه بسيارته عدة مرات ويؤذيه ويكسر عظمه لمجرد اعتقاده بأنه هائج وتلزم تهدئته، لكنه فعل عكس ما يجب مع الجمل البهيم، وصور كثيرة من حرق ودهس وتعليق الحيوانات وحَزّ أعضائها وهي حية، والأقسى حين يكون فعل هذه الإساءات ضد البهائم ليس للانتقام بل لمجرد التسلية والضحك على ردة فعلها أثناء التعذيب وتصوير الحالة للتندر، والمشين أن نفراً يتداولون المقاطع القاسية مع تعليقات توحي بالإعجاب، وما أكثر ما شاهد الناس مقاطع صيد الثعالب والذئاب لا لشيء سوى التباهي، والتأكيد على الفروسية الزائفة بتعليق (ذيل الثعلب) على مقدمة (الشاص).
الحيوانات تعمل على طبيعتها، وبقدر ما تُمليه عقولها محدودة التفكير والتأمل والتحليل، فهي على ما يبدو تنقاد بتصرفاتها وراء غرائزها الطبيعية التي خُلقت عليها، فهي حينما تهاجم الأغنام فإنها إنما تُلبّي رغبة طبيعتها التي أودعها الله سبحانه وتعالى، ولم تقصد الإيذاء، لاعتقادها أن كل الخراف والأغنام وما ماثلها حِلٌ لها، وخُلقت من أجلها، فلا هي مدركة لمعنى المُلْكِية الآدمية للماشية، ولا لمعنى جعلها داخل حظائر وأحواش، لأن الغريزي عندها هو أنه طالما أنها لها فلماذا تُحْبس عنها؟ فتعْمَد إلى الدخول إليها لإشباع جوعها، والحقيقة: إن كلاً من الذئب والراعي متأكد أن لحم الخروف لذيذ؛ فذاك يطلبه والآخر يحميه!
يقول مختص: إن المفهوم النبوي للرفق بالحيوان ينطلق من تصور متوازن يجمع بين منفعة الإنسان وبين الرحمة والرأفة؛ لا يسمح بالقسوة والعبث والنفعية المطلقة، كما لا يتجاهل احتياجات الإنسان، فهو صلى الله عليه وسلم جعل الرحمة بالحيوان من أبواب الأجر ودخول الجنة، والقسوة معها سبباً لدخول النار.
الانسان إذا جارى الحيوان بتصرفاته، وعذّبه انتقاماً ومبارزة له وعناداً، فهو ينزل إلى مستواه في موازين العقل، فالله كرم الإنسان بالعقل والتكليف وحسن الإدراك وسعة المعرفة، غير أن البعض يُصرّ على أن ينحدر إلى هذه المنزلة المتدنية بسوء تصرفاته وأفعاله.