علي الخزيم
لن أتناول بحديثي قانون كرة القدم أو أي كرة يلعبها الإنسان باي طرف من جسمه، فيكفيني منها متعة المشاهدة وترك النقاش والجدال فيها لمن يريده، لابتعادي عن مسارات وانتماءات التشجيع الغوغائي، إنما الكلام هنا عن نماذج رياضية شبابية بَهَرَت الأجيال بأبعاد طموحاتها وثقتها بنفسها وعِصَاميّتها في بناء شخصيتها القيادية بميادين الرياضة وما يحيطها ويزينها من مكارم الأخلاق، وعلو الهمة وكمال الأدب والتواضع، مع الاعتداد الصادق بالقدرات الشخصية، واحترام الآخر الصادر من نقاء السريرة واكتناز الذات بالقيم الإنسانية التي تذيب شخصية صاحبها في محيطه ومجتمعه وتشعره أنه فرد منهم، وسط بينهم لا فوقهم، معطياته الفكرية والعقلية تسمو به إلى آفاق ورتب أعلى، من ذلكم شخصية سامي الجابر وسيرته حيث كشفت لي مشاهدة برنامج (المتاهة) زوايا مضيئة داخل وجدانه، ما جعلني احبّذ طرحه كمثال يُحتذى للأجيال الشبابية من الجنسين، هو وصنوه الخلوق الموهوب الشلهوب، فقد لفت الجابر المشاهدين بصراحته المعهودة دون التعدي على حدود اللباقة، وتحدث عن والده بشفافية ولم يدّع أنه من علية القوم وهو (بوفائه وسمو أخلاقه مع أسرته ومحيطيه) يُعدّ كذلك رحمه الله، قال عنه ابنه سامي إنه عمل أعمالاً شريفة لتوفير لقمة العيش الطاهرة لأسرته حتى أنه عمل سائق سيارة أجرة يوماً ما، وأنه قاد مسيرة الأسرة بصلاح ونجاح وهذا ما يريده الأبناء من كل أب، ثم تحدث بكل ثقة عن والدته الطيبة (يمنية الأصل) ونعم المنشأ والمنبع، منهل العروبة والأصالة، لم يُنَكّس رأسه حينما وصل الحديث لأمه أو أخته وابنته، لأنه يتحدث حديث الرجل الواثق، لا يتحدث عما يُعيب أو يُخجل الرجال، قد تنزَّهت جوانحه من هذه الأدران الجاهلية، تحدث عن طموحاته العلمية ونيله الشهادة العليا واستمراره في طلب الأعلى منها، طموح في كل اتجاه لا يقف عند الآمال بل يسارع لتحقيق الأهداف، من حديثه تلمع إضاءات ثقافية وجُمَلٌ مُتحضّرة مُكتسبة من سعة الاطلاع، ومن يتعلم أكثر من لغة يتحدث بأكثر من لسان، هؤلاء من يريدهم الوطن شُعَلٌ من النشاط والحماس الشبابي المتطلع للمستقبل الزاهر نحو مجد الوطن ورفعة المواطن، فأخلاقيات الشلهوب وطموحات سامي الناجحة (وامثالهم بالأندية) ما هي إلا نماذج رائعة لما يجب أن تكون عليه استقطابات الأندية الرياضية، فهي ليست للرياضة بمفهومها الكروي المجرد؛ إنما الرياضة الشاملة كأخلاق الفرسانأدبيات القادة والأعلام والأعيان، أخلاق عالية وذوق رفيع، واحترام للذات والجمهور والخصم.
لم يستنكف سامي أن يقول إن والده قد عمل يوماً سائقاً لسيارة الأجرة ذلكم لأن الصلاح والفلاح لا تُقيّده تصنيفات المهن (الشريفة) وظروف الإنسان المعيشية الآنية، فأذكر أن مُطرباً عربياً مُجِيداً سأله مقدم برنامج فني عن بداية حياته فقال إنه كان سائق شاحنة (تريلا)؛ فضحك المقدم ضحكة مُخْجلة لا تنم عن وعي، وكأنه يحصر الإبداع على فئات من البشر دون غيرهم، فلم يدرك أن البسطاء الواقعيين العقلانيين هم ملوك الإبداع.