علي الخزيم
قصة تداولتها وسائل إعلامية مؤخراً أفادت بأن رجلاً ثرياً متزوجاً من أربع نسوة أراد أن يتزوج مجدداً، واستشـــار صديقــاً له فنصحــه (على سبيل المزاح) بضرورة تطليق الزوجات الأربع ليمكنه الزواج بامرأة جديدة أو أكثر من واحدة، فسارع الرجل المِزْواج إلى طلاقهن وصدّق ذلك بالمحكمة الشرعية، وعلم صاحبه بالطلاق فهرول إليه موضحاً أنه إنما كان يمازحه، ونصحه بأن يعيد زوجاته إذ إن الطلاق غير بائن، فأعادهن ولكن بعد اشتراطهن الجماعي بأن يدفع لهن مهوراً جديدة.
يبدو لي أن القصة من نسج خيال أحد المُتقولين على سبيل الطرافة والكوميديا الصفراء (كما يقال) أي انها طرفة باردة مُستهلكة، وأستبعد حدوثها لأني لا اقتنع بأن (رجلاً ثرياً عاقلاً) من ذوي الحِجَى والنُهَى يُقْدم على هذا العمل، إلاّ من انتفت عنه الصفات آنفة الذكر، أي أنه لا يتصف بالرجولة بل هو ذَكَرٌ، كالذكر بين البط والدجاج، أما الثراء فهو بالغالب ثمرة العقل والعصامية، ولكن حتى القطط والكلاب في بعض المجتمعات ترث ثروات جيدة، والانسان كذلك قد يُصَبّ عليه المال دون عناء ولا يكون مؤهلاً لحيازته فلا يُحسن رعايته وتصريفه، وهو ما يمكن ان يُسمّى بالأخرق، أما صفة العقل فهي نسبية ولا أرى أن ذكراً كهذا يتزوج أربع نسوة ويرغب بالخامسة والسادسة لمجرد قدرته المادية وامتلاكه نسبة من الرفاهية وراحة البال يمارس في ظلها ما يُسَمّيه هو (الفحولة)؛ جدير بأن يوصف بالعقل الراجح والاتزان والانضباط السلوكي والوجداني، ويؤيد هذا (إن صدقت القصة) أنه بعد عدة زواجات يذهب لاستشارة رجل آخر هل يُمْكِنه أن يتزوج بأخريات؟! ثم يَعْمَد إلى تطليقهن دفعة واحدة كمن يبيع ابقاره أو شياهه بسوق الماشية لعدم التفرغ، ثم إني استغرب قبول النساء به وهو بهذا التصنيف العقلي السَّطحي؟ إلاّ مِنْ نسوة لا رأي لهن (الشور شورك يا يبه)، أو أنهن يلهثن خلف بهرجة الريالات والمظاهر الزائفة على حساب القيم الأسرية والعلاقات الزوجية الراقية وتنشئة الأجيال الصالحة، ومن كانت هذه حدود فهمها لأطُرِ الزواج فلتتحمل نزوات (الذّكر) الثري بماله الفقير بعقله واحاسيسه، فالثروة قد لا تعني القدرة على تحمّل المسؤوليات الأسرية، بل ربما كانت بحالات كثيرة سبباً لتفكك الأسرة وتخلخلها.
القصة وإن كانت خيالاً فهي تُلفت إلى ارتفاع نسب الطلاق بالمجتمع؛ فطبقاً لدراسة أجريت بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية فإن 60% من حالات الطلاق تقع بالسنة الأولى لضعف الثقافة الزوجية وعدم قدرة الزوج على تحمل المسؤولية، وأن 80% من الأطفال الذين يقبعون بدور الملاحظة الاجتماعية بسبب ارتكابهم سلوكيات انحرافية وأعمال جنائية هم ضحايا لأسر تفككت فانفصلت، ويُنَبّه مستشار وباحث بالشؤون الاجتماعية إلى وصول درجة الاستهانة بقيمة روابط الزواج في السنوات الأخيرة إلى حد أن تدعو إحدى الزوجات زميلاتها لحضور حفل طلاقها، مؤكداً انه نذير بتدني العلاقات الزوجية في بلادنا، ما يدعونا لبحث أسباب الظاهرة، ودراسة وسائل تنمية الحوار داخل نطاق الأسرة.