تركي بن إبراهيم الماضي
كان شخصا عابرا، هكذا وصف نفسه، التقيته في مكان عام، كنا ننتظر مثل آخرين، إنجاز معاملة ما. تبادلنا أطراف الحديث.
بدأ حكايته العابرة، كان قد اقترب من سنوات تقاعده من العمل،
طيلة حياته في الوظيفة، لم يكن يفكر أكثر من أن يؤدي عمله باتقان. تنقل في أكثر من ستة مواقع عمل، وترك خلف كل مكان غادره أثرا يدل عليه.
يتذكر، والابتسامة تبدو على محياه، أن كل متاعبه الوظيفية كانت بسبب إخلاصه في العمل، وهو ما يدفع من حوله إلى «تكسير» هذه الهمة العالية، كان يرى أن للوظيفة واجبات مدفوعة الثمن، لا بد أن تؤدى على أكمل وجه!
اصطدم في تجربته الوظيفية الأولى بأن البقاء هو للأقوى، لم يكن يملك إلا ما يؤمن به. تعلَم من هذه التجربة ألا يعقد آمالا بالكرسي الذي يجلس عليه، أيا كان هذا الكرسي!
في كل تجاربه الأخرى، كان مكتبه خاليا من أي شيء، إلا من أوراق العمل، لم يعلق صوره الشخصية أو شهاداته العلمية أو خطابات الشكر. تعمد – كما يقول – أن يرَبي نفسه على أن البقاء هو الاستثناء، وحتى يعطي انطباعا لمن حوله، بأنه لا مغريات من البقاء، حتى ولو كان الكرسي فاخرا!
سألته: إذا كان البقاء هو الاستثناء .. فلم العمل إذن ؟
أجاب: لا يهم كم يستغرق مدة بقائك، الأهم هو أن تؤدي عملك كما هو مقرر عليك، حتى ولو كان يوما واحدا. أنت تأخذ أجرا مقابل العمل الذي تؤديه!
توقف قليلا عن الكلام، كأنه يريد استذكار شيء فاته. عاد ليكمل:
كرسي الوظيفة مغر بلا شك، حتى ولو صغر حجمه. أن تكون مسئولاً هو اختبار حقيقي لأمانتك. الكرسي يمنحك شعوراً بالقوة دون أن تشعر، لكن صاحب «الأمانة» سيملأ الكرسي ثباتا. لن يشعر بمغريات الكرسي وهو يهتز بعض الأحيان!
كان دوره قد حان، نهض من مقعده،حاملا أوراقه، وتوجه للموظف، كنت أتأمله من بعيد، مثله كثير، يعطي لوظيفته، ويصنع الفارق في المكان الذي يعمل به، لكنه يتساهل في المطالبة بحقوقه خشية أن يُعطى ما ليس له حق فيه!