م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- عاشت حاضرة الجزيرة العربية وباديتها في عزلة شبه تامة.. ترسخت خلالها في نجد مثلاً مفاهيم وقيم تحط من شأن السفر والمسافرين وتحث على تجنبه تحت مسميات وأعراف عديدة.. فقد كان المسافر إلى البلاد التي يُسْمح فيها بممارسات الكفر والمعصية يُعاقَب بالمقاطعة المعنوية.. فلا يسلم عليه أحد ولا يكلمه حتى والديه لمدة ثلاثة أيام ثم بعدها تعود الحياة إلى مجاريها ويستمعون إلى القصص العجيبة الغريبة التي مرت به أو سمع عنها.. فيثير ذلك الكلام كوامن السفر لمن استطاع إليه سبيلاً.
2- حالة الانكفاء على النفس والاختباء على منطقة نجد جعلت من الانعزال ثقافة ولدت إشكالات فكرية وأشاعت بسببه قيماً ومفاهيم ورسخت أعرافاً وتقاليد ووجهت المجتمع عبر مئات السنين إلى الانعزال.. كان من نتائجها سمات الشك والإقصاء.
3- العزلة المزمنة خلقت نوعاً من العلاقة مع الجغرافيا.. ولم ينافس دمشق وبغداد والأندلس في الشعر وتغزل الشعراء بها وتذكرها سوى الشعر الذي قيل في نجد.. مما يشعرك أنهم مستمتعون بعزلتهم ويعشقون كلف العيش فيها وتصحرها.. أو أن هذا التغزل والهيام بعرار نجد ما هو إلا محاولة لمقاومة كسر العزلة.
4- لم يستطع المجتمع المدني السعودي الحديث كسر تلك العزلة بعد.. فأفراده يعيشون في قلاع ذات أسوار مرتفعة تظنها للأمن وهي للعزلة.. وإذا أراد الخروج إلى مطعم مع أسرته وضعهم في حواجز وإذا أراد مغادرة منزله استأجر استراحة.. فحاسة الاختباء لا تزال مهيمنة على التفكير الجمعي.
5- الأجيال السعودية تتشابه.. فالستينيون والعشرينيون على حد سواء يتشابهون في طريقة الترفيه عن أنفسهم.. فهم يمارسون ذات الطقوس الجمعية في الملحق والاستراحة والسفر بعيداً عن الأعين.. ومع كل هذا ومهما كان عملهم بريئاً إلا أنهم يعانون من تأنيب الضمير ويحسون أن هذا مما ينهى عنه العرف والدين.
6- الفقرات الآنفة ليست وصفاً دقيقاً بل انطباع عام قصدت منه التنبيه على أن مجتمعنا الذي عانى من الانغلاق ولد مجتمعاً محافظاً.. والمجتمعات المحافظة تتصف بصفات الإباء والشمم والاعتزاز بالنفس والتمسك الشديد بالانتماء القبلي والمناطقي.. مما خلق صفات جانبية مثل الانغلاق وهذه ولدت صفة الإقصاء التي بدورها ولدت صفة العنصرية وهكذا.. واليوم ونحن في وطن يعيش حالة تمدن ورخاء ورفاهية حري بنا أن نكون أكثر أريحية وانفتاحاً وأبعد عن الانغلاق والإقصاء والعنصرية.