اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إن نسبة الإرهاب إلى الإسلام وإلصاق التهمة بالسلفية بدأت إرهاصاتها مع ظهور تنظيم القاعدة، وقد تبلورت هذه التهمة وأخذت مكانها في المشهد بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، حيث تشكل الموقف الدولي حيال هذا العدو المسمى بالإرهاب حسب المعطيات الدولية -آنذاك- ووفقاً للرؤية الأمريكية التي تنظر إلى الحرب مع العدو الجديد بأنها حرب مفتوحة غير محدودة بزمان ولا مكان على نحو يتيح لمن يمتلك القوة أن يتدخل في المناطق المستهدفة وقتما يريد، وكيفما يحدد، مدعياً ما يدعيه من أسباب، ومختلقاً ما يختلقه من مبررات بصرف النظر عن صحتها، وذلك لتوفر الذريعة ووجود المبرر وهما الحرب على الإرهاب، والربط بين الإرهاب والإسلام رغم ما فيه من التجني والافتراء، إلا أن الجهات التي تقف خلفه وتروج له والإعلام الذي يتبناه أوجد ذلك بيئة يسود فيها الإقناع على حساب الاقتناع.
واستهداف الإسلام ووصمه بالإرهاب، واعتبار هذا الإرهاب هو العدو الجديد لم يأت من فراغ، وإنما بنى على معطيات كثيرة منها ما هو موروث تاريخي، ومنها ما فرضته الأحداث، وتطور مع مرور الأيام وتعاقب الأعوام، فمن جانب فقد أفل نجم الاتحاد السوفيتي وانتهت معه الحرب الباردة وزال الخطر الشيوعي، وما نجم عن ذلك من خلو الساحة للقطب الأمريكي الواحد الذي يربط بين بقاء قوته وبين وجود العدو، ومن جانب آخر فالأمة التي يصل تعدادها إلى المليار مسلم، وتحتضن أرضها أشرف المقدسات وتحتوي على الكثير من النعم والخيرات، فضلاً عن سرعة انتشار الإسلام، وما يصادفه هذا الانتشار من قبول حسن في شتى بقاع المعمورة، وما يقابل ذلك من مفهوم خاطئ عند بعض أهل الديانات الأخرى تجاه الإسلام من التحسس والتوجس، والنظر إلى عقيدة الجهاد والولاء والبراء نظرة فيها الكثير من الجور والتجني على سماحة الإسلام ووسطيته وجنوحه إلى السلم والاعتدال بعيداً عن العدوانية والعنف، كل هذه العوامل باتت تحرك نوازع الشر عند الذين ينصبون المصائد، ويُبيتون المكائد ضد الأمة الإسلامية، وما زَرْع الكيان الإسرائيلي في قلب العالم الإسلامي إلا شاهد من شواهد التربص بالأمة في الماضي، والعدو المصنوع والإرهاب المزروع في الحاضر ما هما إلا مرحلة حاسمة من مراحل هذا التربص وتنفيذ المخطط المرسوم للإيقاع بالأمة الإسلامية وإضعافها بهدف استعمارها من جديد بعد شرذمتها وتفتيت دولها.
والتركيز على الأمة العربية مردّه إلى كونها تمثل مركز الإسلام وقلبه النابض، بالإضافة إلى مكانتها الدينية وأهمية موقعها وثرواتها النفطية، كما أنها بمثابة حلقة الوسط في السلسلة، تلك الحلقة التي إذا ما أصابها العطب تداعت لها حلقات الأطراف بالإصابة والعطب، ناهيك عن أن الصراع مع الدولة العبرية له دور كبير فيما تعانيه المنطقة، بحيث يعتبر هذا الجسم الغريب مصدر خطر يتربص بشعوب هذه المنطقة منتظراً الوقت المناسب للانقضاض على الداخل الفلسطيني والتوسع على حساب الخارج العربي، مستعيناً برعاته من قوى الاستعمار التي وجدت في الكيان الإسرائيلي والنظام الصفوي ضالتها لتنفيذ أجندتها في المنطقة والتدخل في شئون دولها عبر هاتين الدولتين اللتين ترعيان الإرهاب، وتعملان على تغذيته وإيجاد عوامل ازدهاره وانتشاره، تمهيداً لتوفير مبررات استهداف المنطقة وممارسة الإرهاب ضد شعوبها باسم مكافحته كما يفعل الحلف الشيعي الشيوعي في العراق وسوريا الذي جعل المكوِّن السني في هذين القطرين بين فكي كماشة الإرهاب ومكافحته.
وليس من المجافي للحقيقة أن يقول قائل إن معظم ما حدث ويحدث في المنطقة من أحداث هو نتيجة لسياسات استعمارية مرسومة يمثل الكيان الإسرائيلي رأس حربتها والمستفيد الأول من مصلحتها، وفي السياق نفسه فإنه محصلة لما تم الاتفاق عليه في مفاوضات الملف النووي الإيراني، ذلك الاتفاق الذي تنازل فيه الطرف الإيراني عن الاستمرار في برنامجه النووي مقابل إطلاق يده في المنطقة وانتهاج سياسة التغافل عن ممارساته وتبادل الأدوار على نحو يجسد مصالح القوى الكبرى والدولة العبرية.
وتعتبر الدول الإسلامية أول من اكتوى بنار الإرهاب، وعانى من ممارساته منذ نشوء تنظيم القاعدة وحتى ظهور تنظيم الدولة عبر ما يزيد على عقدين من الزمن وصولاً إلى هذا الوقت الذي استفحل فيه أمر الإرهاب وتعاظم خطره، واستطاع عبور القارات، وتداعى له الكثير من التداعيات، والدول الإسلامية هي المستهدفة أكثر من غيرها بآفة الإرهاب الذي انتحل هويتها، وتسمى باسمها، وتزيا بزيها وهو أبعد ما يكون عنها، حيث إن ادعاء التنظيمات التكفيرية بانتمائها إلى الإسلام بعد أن حرّفته وأوّلته أرادت من وراء ذلك الإساءة إلى الإسلام وإلحاق الضرر بالمسلمين بما يتفق مع توجهات الجهات المناوئة للإسلام والراعية للإرهاب، وبهذا الصنيع تكون الأمة الإسلامية بالإرهاب مستهدفة وأمام مَنْ يتهمها مستشرفة، ومن هنا كانت هي المتضرر الأول من هذا المرض المعدي الذي انتشرت عدواه في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي، وعَبَرَ الحدود من دولة إلى أخرى، بحيث أصبحت الأقطار الإسلامية مسرحاً للعمليات الإرهابية، خاصة الأقطار العربية التي انصب عليها جل الاستهداف من قبل أدوات الإرهاب ورعاته على نحو أريد معه لشعوبها أن تكون ضحية بين مطرقة الإرهاب وسندان مكافحته، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
وقد تفاقم خطر الإرهاب، وصار يشكل تهديداً حقيقياً يهدد الأمة الإسلامية في كيانها ودينها، والتقى خطر تنظيم الدولة التكفيري مع خطر المشروع الإيراني الطائفي اللذين اخترقا عدداً من الدول الإسلامية وفتكا بها من الداخل عن طريق بعض المغرّر بهم من أبنائها والأقليات المحسوبة عليها، وأصبح هذا الثنائي على موعد مع المشروع الصهيوني الذي تعمل إسرائيل من خلاله على إقامة الدولة اليهودية وعاصمتها القدس، وهذا الثلاثي المعادي للإسلام وجد له بيئة خصبة تحت مظلة التدخل العسكري الروسي في سوريا، وتداعت له قوى الشر من الغرب والشرق، متخذة من تنظيم الدولة والنظامين السوري والعراقي ونظام الملالي وأذرعه في المنطقة أدوات لها لتنفيذ مشاريع لها دوافع طائفية وسياسية تهدف إلى قتل البشر وتدمير المقر، توطئة لعملية إحلال وإبدال يحل المكون الشيعي فيها محل المكون السني.
ونظراً لما استجد على الساحة من تكوّن الحلف الشيعي الشيوعي الذي ظهر إلى العلن بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا وما أكده هذا التدخل من وجود علاقة خاصة ذات أهداف استراتيجية وأبعاد جيوسياسية بين روسيا وإسرائيل من جهة وبينها وبين إيران من جهة أخرى الأمر الذي أدخل المنطقة في دوامة جديدة من التحالفات التي زادت من حدة الصراعات القائمة وضاعفت من العنف.
وتكالب أعداء الإسلام من كل حدب وصوب على جزء من المنطقة الإسلامية والقاسم المشترك بين هؤلاء القوم هو محاربة الإرهاب وأصابع الاتهام والأسلحة ليست موجهة إلى العدو المعلن كما يدّعون، بل موجهة ضد الإسلام والمكون السني تحديداً.
وما حصل من تدخل عسكري روسي في سوريا يؤكد ذلك حيث ساهم إلى حد كبير في تصعيد الصراع وتعقيد الموقف، وذهب بالأزمة السورية بعيداً عن الحل السياسي، وجعلها معتركاً لتصفية الحسابات ومحكاً لعقد المراهنات، حيث إن الهدف الروسي والإيراني من حلفهما الجديد لم يكن محاربة الإرهاب كما يزعم الطرفان، وإنما يهدفان من وراء ذلك إلى أهداف بعيدة المدى يستعيد الطرف الروسي من خلالها شيئاً من هيبته المفقودة ويخرج من دائرة الغبن الممارس عليه من قِبَلْ أمريكا وحلفها الغربي في حين يتمكن الطرف الإيراني من تنفيذ مشروعه الطائفي وإشفاء غليله القومي ونزعته الشعوبية، وكل ذلك على حساب العرق العربي والمذهب السني.
وفي خضم هذه الأحداث وجدت الدول الأوروبية نفسها فجأة أمام أزمة إنسانية بسبب توافد أفواج المهاجرين الذين اختاروا ركوب المخاطر هرباً من الموت الذي ينتظرهم في كل مكان من أوطانهم على يد الأنظمة والتنظيمات الإرهابية، وبينما هذه الدول منهمكة في مراجعة اتفاقيات الحدود بينها وتحديد حصصها من المهاجرين حصل ما لم يكن في الحسبان حيث انتقلت عمليات الإرهاب إلى فرنسا مخلفة وراءها مئات القتلى والجرحى، وقد ألقى هذا الحادث بظلاله على ما يجري في سوريا سواء على صعيد محاربة الإرهاب أو على مستوى الحل السياسي للأزمة السورية.
وعلى هامش أزمة اللاجئين إلى أوروبا، وفي أعقاب العمليات الإرهابية في باريس شنّت الدول الأوروبية حرباً كلامية على تنظيم الدولة ورفع بعضها من سقف مشاركته في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما ثارت ثائرة الغضب واشتدت سورته في الأوساط الرسمية والشعبية وارتفعت بعض الأصوات من جديد، متجنية على المسلمين، ومتهمة إياهم بالإرهاب، وفي هذه المعمعة التي لم يصل فيها أداء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب إلى المستوى المطلوب، والحلف الشيعي الشيوعي لا مكان له في ميزان المكافحة بوصفه راعياً للإرهاب، ويمثل وجهاً آخر له وصورة من صوره لتحيِّزه لفئة دون أخرى مناصراً للظالم ومتجنياً على المظلوم، الأمر الذي تعين معه على الدول الإسلامية، أن تنفض غبار تخاذلها، وتنتقل من مرحلة المراقبة والانفعال إلى مرحلة المبادرة والفعل، داحضة التهمة الموجهة إليها، ومتصدية للحرب المفروضة عليها وذلك بإعلان تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب.
وهذا التحالف يعتبر خطوة صحيحة على الطريق الصحيحة وفي الاتجاه الصحيح، فعلاوة على أهدافه المعلنة المتمثلة في الأهداف العسكرية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تصب كلها في محاربة الإرهاب فإنه يوصد الباب أمام القوى الكبرى التي تتخذ من الإرهاب حجة للتدخل في شئون الدول الإسلامية والنيل من عقيدتها وتهديد أمنها، كما انه يسحب البساط من تحت أقدام كل مَنْ يحاول الإساءة إلى الإسلام ونسبة الإرهاب إلى المسلمين سواء عن جهل أو لحاجة في نفسه، حيث إن تحالف المسلمين ضد الإرهاب وإعلان الحرب عليه يدحض الاتهامات، ويفِّند الادعاءات التي يعزف على وترها رعاة الإرهاب وأعداء الإسلام، جاعلين منها مادة دسمة للتجني والتخرصات وشماعة لممارسة الاقترافات، وقد قال الشاعر:
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا
للشك في النور المبين مجالا
والظن يأخذ من ضميرك مأخذاً
حتى يريك المستقيم محالا