د. أحمد الفراج
النظام الديمقراطي الأمريكي عجيب، وفريد من نوعه، كما هي أمريكا ذاتها، وسأشرح هنا كيفية فوز مرشح ما بأغلبية أصوات الشعب، ثم خسارة الرئاسة بعد ذلك، كما حصل للمرشح الديمقراطي، آل قور، والذي فاز بأغلبية أصوات الشعب، ولكنه خسر الرئاسة للجمهوري، جورج بوش الابن، في عام 2000، وهذا أمر لا يوجد له مثيل في كل الديمقراطيات الغربية، فمن يحدد الفوز بالرئاسة الأمريكية ليست أصوات الشعب المجردة، بل أصوات المندوبين، الذين يمثلون الشعب، ويبلغ عدد هؤلاء المندوبين، والذين يطلق عليهم اسم «المجمع الانتخابي» خمسمائة وثمانية وثلاثين (538)، وهو ذات عدد أعضاء الكونجرس بشقيه، النواب والشيوخ، إضافة إلى ثلاثة مندوبين عن واشنطن العاصمة، أي أن الولاية التي يمثلها عشرون عضواً في الكونجرس، يمثلها ذات العدد في المجمع الانتخابي، وثمة نقطة في غاية الأهمية عن آلية الفوز ذاتها، فما هي هذه الآلية ؟!.
عندما تصوّت ولاية فلوريدا، مثلاً، فإنّ المرشح الذي يفوز ولو بفارق ضئيل من الأصوات الشعبية، يفوز تلقائياً بكامل الولاية، ويحصل على جميع أصوات مجمعها الانتخابي، ولا يحصل المرشح الخاسر على أي صوت، رغم فوزه بملايين الأصوات الشعبية !، والآن جهزوا آلة حاسبة، ودعونا نضرب مثالاً، وبالأرقام، لنرى كيف يحصل هذا الأمر، والذي تساءلتم عنه كثيراً. حسناً، لنفترض أن الانتخابات الرئاسية القادمة، 2016، أصبحت بين المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، والمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، ولنحصر هذه الانتخابات في ولايتين كبيرتين فقط، هما نيويورك وكاليفورنيا، تسهيلاً للأمر، فكاليفورنيا يبلغ عدد سكانها تسعة وثلاثين مليوناً، وبالتالي فإنّ عدد المندوبين في مجمعها الانتخابي خمسة وخمسون (55)، ونيويورك يبلغ عدد سكانها تسعة عشر مليوناً، وعدد المندوبين في مجمعها الانتخابي تسعة وعشرون (29)، فلنبدأ الآن.
دعونا نفترض أنّ ترمب فاز بعشرين مليون صوت في كاليفورنيا، وفازت كلينتون بتسعة عشر مليون صوت، ثم فاز ترمب بتسعة ملايين صوت في نيويورك، وفازت كلينتون بأحد عشر مليون صوت، فمن الفائز هنا ؟!. عطفاً على الأصوات الشعبية، فإنّ كلينتون هي الفائزة بالرئاسة، فقد صوّت لها ثلاثون مليون ناخب، في مقابل تسعة وعشرين مليون ناخب لترمب، أليس كذلك ؟!، لكن الصواب، في الديمقراطية الأمريكية، هو أنّ الفائز بالرئاسة هو دونالد ترمب، لأنه حصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي (المندوبين) لولاية كاليفورنيا، وعددهم خمسة وخمسون (55)، بينما كلينتون فازت بجميع أصوات المجمع الانتخابي (المندوبين) لولاية نيويورك، وعددهم تسعة وعشرون (29)!!، وبالتالي تكون كلينتون فازت بأغلبية الأصوات الشعبية، وخسرت الرئاسة، تماماً كما حصل في عام 2000 للمرشح الديمقراطي، آل قور، وما عليكم إلا تطبيق هذه الآلية على الخارطة الأمريكية كاملة، وستتضح لكم الصورة بشكل أكبر، فهل ترون هذه ديمقراطية عادلة، أم ترونها خلاف ذلك؟!، علماً بأنّ رأيكم لن يغير من الأمر شيئاً، فالديمقراطية الأمريكية عمرها أكثر من مائتي عام، ولا يزال هذا النظام الانتخابي الفريد صامداً، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى تغييره، في المستقبل القريب، ولا البعيد!.