فضل بن سعد البوعينين
أقدمت المملكة؛ منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي؛ على خطوات مهمة لتوطين الصناعات العسكرية من خلال برنامج التوازن الإقتصادي الإستراتيجي الذي أثمر عن بعض الصناعات الجيدة. تجربة كان من الممكن تطويرها بشكل أفضل للوصول إلى نتائج إيجابية في قطاع الصناعات العسكرية بشكل خاص؛ والصناعات التقنية المتقدمة بشكل رئيس.
الاستثمارات الحكومية الضخمة كان يمكن أن تخلق للمملكة قطاع صناعات عسكرية متكاملا، يمكن الإعتماد عليه في تلبية الاحتياجات المحلية والمساهمة بشكل فاعل في الناتج الإجمالي المحلي وحجم الصادرات. آلية الإتفاق مع الشركات العالمية؛ والبيروقراطية الحكومية؛ ربما أثَّروا سلبا على تطوير قطاع الصناعات الحربية.
أجزم أن نظام الشراكات العالمية؛ والإنخراط الكلي في التطوير والإبتكار والإنتاج المحلي هو السبيل الأمثل لتطوير قطاع الصناعات بشكل عام؛ والصناعات العسكرية بشكل خاص. تنويع قطاعات الإنتاج من أهداف «برنامج التحول الوطني»؛ وقاعدة البناء الرئيسة المفضية لخلق الوظائف؛ تعظيم الناتج المحلي؛ زيادة حجم الصادرات غير النفطية؛ خفض الواردات؛ وتنويع مصادر الدخل.
يبدو أن الحكومة باتت أكثر إصرارا على توطين الصناعات العسكرية ونقل تقنياتها من خلال الشراكة الإستراتيجية مع الشركات المصنعة؛ ذات الكفاءة والخبرات العالمية؛ والتقنيات الحديثة. بدأت إستراتيجية الصناعات الوطنية في تلمس الإحتياجات المحلية؛ ووضع البرامج والخطط الرامية لتلبيتها من خلال الإنتاج المحلي؛ اعتمادا على الشراكات العالمية أو فتح السوق للاستثمار الأجنبي النوعي.
لن تخلو البدايات من التحديات الكبرى التي قد تبطء في تحقيق الأهداف الطموحة؛ غير أن الإصرار و العمل الجاد وفق رؤية إستراتيجية وطنية شاملة ومنظومة عمل مؤطرة ببرامج ملزمة؛ وتشريعات وقوانين شفافة ومعززة للنزاهة؛ وأدوات قياس علمية؛ سيقود إلى تحقيق النتائج الإيجابية؛ بإذن الله.
توقيع السعودية اتفاقيات تأسيس خمس شركات متخصصة في مجال الطائرات العسكرية والمدنية والأقمار الصناعية والطاقة النظيفة؛ على هامش «معرض القوات المسلحة لدعم توطين صناعة المواد وقطع الغيار»؛ يعزز الاتجاه الحكومي الرامي إلى توطين الصناعة ونقل التقنيات الحديثة وفق رؤية استثمارية محفزة للشركات العالمية وداعمة للأهداف الحكومية.
توطين صناعة الطائرات العمودية؛ وطائرات النقل المتوسط والثقيل ونقل تقنياتها؛ وتصنيع وتسويق الأقمار الصناعية؛ ومعدات وأنظمة الحرب الإلكترونية والرادارات والكهروبصريات؛ وتقنيات الإضاءة الحديثة هو جزء مهم من البرامج الإستراتيجية التي تحتاجها المملكة لتطوير وتنويع قطاعاتها الصناعية؛ وتلبية احتياجاتها المحلية؛ وتدريب وتأهيل الشباب السعودي؛ ورفع حجم مساهمة الصناعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وحجم الصادرات مستقبلا.
لن أستبق الحكم على مخرجات الشركات الخمس الوليدة؛ غير أن تجارب الماضي أثبتت أن إدارة القطاع الحكومي لمثل تلك الاستثمارات النوعية تحد؛ في الغالب؛ من كفاءتها؛ وربما تتسبب في بطء حركتها وهو أمر لا يقتصر على التجارب المحلية فحسب؛ بل هو ملاحظ أيضا في الدول الصناعية التي آثرت أن يتولى القطاع الخاص إدارة قطاع صناعاتها العسكرية وفق شراكة حكومية تضمن التحكم في الشؤون الإستراتيجية.
كتبت غير مرة عن تطوير الصناعات الحربية؛ وأشرت إلى أن «السعودية قادرة على تحقيق هدف تطوير قطاع الصناعات العسكرية من خلال القطاع الخاص؛ شريطة أن تكون لديها الإستراتيجية الواضحة ومنظومة العمل والمرجعية المستقلة.. التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص يمكن أن يسهم في خلق قاعدة عريضة من الصناعات العسكرية المتطورة. صندوق الإستثمارات العامة قد يكون الشريك الحكومي الأنسب للقطاع الخاص في إنشاء شركات متخصصة في الصناعات العسكرية المتطورة والمتوافقة مع الحاجة؛ على أسس ربحية واضحة؛ ووفق رؤية حكومية تحدد الأهداف بعناية».
أصبحت الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني؛ المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة الشريك الرسمي للشركات الأجنبية الخمس؛ وهو أمر جيد ولا شك؛ إلا أن استقلال الإدارة وفق رؤية القطاع الخاص؛ وربما طرح جزء من أسهمها مستقبلا في السوق هو الضامن لمخرجاتها؛ والداعم لتحقيق أهداف الحكومة في توطين الصناعة وتطوير تقنياتها وتنويع قاعدتها؛ بإذن الله.