د.علي القرني
يبدو أن الدول المصدرة للنفط ليس لديها رغبة حتى في الاجتماع، فهذا وزير النفط الإندونيسي يذكر أنه لا توجد إلا دولة واحدة فقط في منظمة الأوبك ترغب في الاجتماع لأعضاء المنظمة،
مما يشير فعلاً إلى بداية تفكك أوبك على صعيد المنظمات الاقتصادية الكبرى في العالم، وهذا مؤشر خطير من شأنه أن يقوض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جداً، كما من شأنه أن يفكك هذه المنظمة ويجعلها أحاداً بعد أن كانت قوة اقتصادية كبرى في العالم.
منظمة الأوبك تأسست عام 1960م ووقعته في التأسيس خمس دول هي المملكة والكويت والعراق وإيران وفنزويلا، ويبلغ عدد أعضائها الحاليين ثلاثة عشر عضواً مع استئناف إندونيسيا عضويتها هذا الشهر بعد توقف منذ عام 2009م، كما أن عضوين آخرين قد انسحبا من المنظمة وهما الغابون والإكوادور. وفي نفس الوقت هناك أربع دول تقدمت فيما مضى بطلب الانضمام للمنظمة وهي السودان وبوليفيا والمكسيك وسوريا.
ويبدو أن منظمة الأوبك وصلت حالياً إلى مرحلة صعبة وحاسمة وتقف أمام منعطف طريق خطر جداً، ولا يبدو في الأفق أي بوادر عملية لرأب الصدع الذي أوقع المنظمة في هذه الأزمة الكبيرة. ولا شك أن انخفاض أسعار النفط في العالم من أكثر من مائة دولار إلى أقل من ثلاثين دولار وعلى مشهد ومتابعة صامتة من أعضاء أوبك هو السبب الذي يمكن أن يكون متسبباً في تفكك هذه المنظمة.
والأزمة التي تعيشها أوبك حالياً هي زيادة أكثر من مليوني برميل يومياً من أعضاء أوبك من ناحية, إضافة إلى زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة لحصصها في السوق العالمية. وحيث أن منظمة الأوبك لم تتحرك خلال الأشهر الماضية في اجتماع طارئ يواجه الأزمة العالمية الحالية التي عصفت بسعر برميل النفط إلى أقل من 30% من سعره قبل فترة قصيرة، كما أن الدول المنتجة للنفط من غير أعضاء الأوبك ليس لديها التنظيم أو الإرادة للاجتماع مع أعضاء أوبك للتباحث مع منظمة أوبك في إيجاد حلول عملية لإيقاف النزيف الذي تعاني منه خزائن الدول النفطية. وكنت قد كتبت مقالاً في هذه الصحيفة (الجزيرة) قبل أسابيع ذكرت فيه أهمية أن تتبنى المملكة العربية السعودية دعوة جميع أعضاء أوبك وغير الأعضاء في اجتماع إستراتيجي في الرياض للتباحث في آفاق لحلول هذه الأزمة العاصفة باقتصاديات الدول المنتجة للنفط. وذكرت أن المملكة هي الدولة المرشحة عالمياً لقيادة مثل هذا الحراك الدولي.
إن الجدل الذي يدور حالياً في أروقة التحليل السياسي والاقتصادي هو أن النفط سيكون سلعة للضغط على روسيا وإيران لتركيعهما بهدف الخروج من سوريا بحكم صعوبة استمرار دفع التكلفة الباهضة التي انجرت لها في دعمها لنظام بشار الأسد. وهذه المقولة ينادي بها بعض الخبراء الإستراتيجيين والذين يقولون إن المملكة تريد أن توظف النفط للضغط على روسيا وإيران لصرفها عن دعم سوريا بشار الأسد وهذا غير صحيح. وهناك مقولة أخرى تشير إلى أن شركات النفط الصخري ستتوقف (وفعلاً توقفت نسبة كبيرة من هذه الشركات) إذا وصلت تكلفة بيع النفط إلى أقل من سعر تكلفة استخراج برميل النفط، وهذا ما حدث فتسعيرة ستين دولار لبيع برميل النفط هو سعر مريح يخلق ديمومة في استمرار استخراج النفط الصخري ودخوله للسوق العالمية، وانخفاض سعره إلى أقل من ذلك من شأنه أن يفلس بشركات النفط الصخري الأمريكية.
وفي كلتا الحالتين فإن أسعار النفط لا زالت في تدهور ولربما تصل قريباً إلى حاجز العشرين دولار إذا استمرت نفس المعطيات الحالية إضافة إلى دخول النفط الإيراني إلى السوق العالمية، كما أن اقتصادات الدول المنتجة للنفط ستعاني مع الوقت إلى أن تصل إلى درجة تكون عاجزة عن الإيفاء بمسئولياتها التنموية في بلدانها. وكلما زادت المدة الزمنية التي يعيشها العالم على أسعار نفط منخفضة جداً سيكون هناك صعوبة بالغة لعودته لأسعار مناسبة لمصالح الدول المنتجة. وهذا سيعكس أزمة مستمرة لدول النفط في العالم سواء كانت لأعضاء أوبك أو لغير أعضائها.
وما يحتاجه العالم النفطي هو وقفة موضوعية بعيداً عن السياسة وتحت تأثير الاقتصاد فقط لاستعادة روح البقاء في أسعار النفط قبل أن يلفظ نفسه الأخير في حالة عودة الأسعار إلى أقل من عشرة دولار كما كانت في السبعينيات الميلادية. ولا بد من انتفاضة منظمة أوبك بقيادة المملكة لبث روح جديدة في المنظمة التي باتت مفككة وآئلة للسقوط الحتمي وتقويض دورها في الاقتصاد العالمي..