د. عيد بن مسعود الجهني
كل دولة تسعى لبلوغ ناصية القوة من خلال بناء إستراتيجية عامة للدولة, لحماية سيادتها وأمنها القومي الذي أصبح الشغل الشاغل للأمم والدول على مر العصور والأزمان، و(القوة) هي المقصودة بتعريف الأمن القومي بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للدولة وسيادتها وحمايتها ومواطنيها من التهديدات الداخلية والخارجية.
وعالم اليوم عام مادي شرس، لا يعرف رحمة ولا عدل، بل يعرف القوة، وبقدرتها على التأثير غير المحدود على الغير وإرغامه على الإذعان لأنه الأضعف، فأصبح الضعيف في هذا الزمن ممتهناً ذليلاً مسلوب الإرادة ضائع الحق، يؤمر فيطيع وينفذ ما يريده الأقوياء حتى لو كان في ذلك ضرره بل هلاكه، فبأي شيء يدافع عن نفسه وبأي شيء يرد كيد من أراد به كيدا.
ولنا في هذا دليلنا على ساحرية (القوة) في حل النزاعات والصراعات الدولية فالتفجيرات الهندية النووية في عام 1998 وقبله, ورد باكستان بلغة (القوة) بتفجيراتها النووية في نفس العام بعد أسبوعين من إبراز قوة العضلات الهندية.. كانت التفجيرات الباكستانية الستة رداً على خمسة تفجيرات هندية آنذاك وقطعاً لمسيرات الفرح والبهجة الهندية.. وإبرازاً لقوة باكستان بميلادها كقوة نووية.
هذه هي القوة عن حق.. فرغم أن القوة أغرت الهند.. إلا أنها (القوة) هي التي أوقفت الأطماع الهندية.. فدخول باكستان النادي النووي أوقف استعلاء واستكبار طموحات جارته الهند، 190 مليون باكستاني أصبحوا على السواء مع أكثر من بليون هندي.
القوة توقف بلا شك اغتصاب الحق.. توقف اختزال العدل.. كيف لا وهي (القوة) جوهر السياسة تعبر عن إرادة الدول وتؤكد استقلالها وتحمي سيادتها وهي سلطان السلام، أو بالأحرى لا يمكن الحديث عن السلام إلا بالحديث عن القوة.. فالحفاظ على السلام لا يتأتى بأي حال من الأحوال إلا بمكنة القوة.. وهذه العبر والدروس قديماً وحديثاً وستبقى.
وهذا معناه المبسط أن مهمة أية دولة على كوكبنا الأرضي هي الحماية والمجابهة, وهذان العنصران لا يكونان فاعلين ما لم تكن هناك القوة، فالقوة عصب الدولة وشريانها وهذا يعني الاهتمام المتزايد بالقوة يوما بعد يوم.
إذا القوي وحده الذي يستطيع أن يفرض إرادته، وهذه الحقيقة أوضح ما تكون في الحروب، فالمهزومون فيها مغلوبون على أمرهم لا يملكون إلا قبول شروط المنتصرين، ومن الأدلة الدامغة أن الدول المغلوبة في الحربين الكونيتين في القرن المنصرم.
إذا القوة في أحد أذرعتها قد تكون شراً وتغري مالك ناصيتها بضرب الآخرين، والتاريخ يلقي علينا الدروس في هذا، الحربان الكونيتان من دروس قوة الشر، وفيتنام مثال آخر إذ استمرت الحرب الأمريكية على ذلك البلد (9) سنوات ولقى مصرعه من أهل فيتنام (3.5) مليون إنسان ومن الجانب الغازي الأمريكي (35) ألفا، وحروب روسيا وأمريكا على أفغانستان والعراق لا تخرج عن هذا المفهوم للقوة المعراة والحرب الظالمة على أهل بلاد الشام وأبطالها قادة روسيا وإيران وطاغية سوريا وحزب الشيطان ما هي إلا نموذجاً حياً لقوة الشر وهي نفس حروب الدولة العبرية على العرب.
واليوم معظم بلاد العرب يتعرض لفتن داخلية ومؤامرات خارجية فالكثيرون هم الذين يتربصون ببلداننا لشن الحروب عليها، التي هي من أغنى بلاد العالم ثروة في العنصر البشري، وتزخر أراضيها ومياهها بالثروات الطبيعية من النفط والغاز والمعادن النفيسة، وهي محطة كبرى للسياحة في العالم بمعالمها وآثارها وحضارتها وأنهارها ومضايقها وقنواتها المائية وقطاعها الزراعي الكبير ناهيك موقعها الإستراتيجي..الخ.
ولا شك أن التاريخ يلقي علينا دروسه في هذه الفتن والحروب ضد ديارنا العربية فحروب إسرائيل مدعومة بأمريكا ضد مصر عام 1967، 1973م ليست ببعيدة عندما وقف الملك فيصل -رحمه الله - بقوة وصلابة ضد العدوان الإسرائيلي المؤيد أمريكا، وقبله العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والقيادات السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دائما داعمة لمصر في السلم والحرب وتتصدى للفتن والتخريب وترويع المواطنين.
إنه نفس الموقف السعودي القوي من القضية الفلسطينية والقدس الشريف منذ عام التقسيم 1947 مرورا بتأسيس إسرائيل عام 1948 على أرض العرب وحتى اليوم، وهو نفس الموقف في اليمن وفي بلاد الشام فرسالة القوة السعودية تقف ضد التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية للدول العربية، لأن هذا هو مفهوم الأمن القومي الشامل.
لندرك أن الدول التي ملكت زمام القوة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالإصرار والتخطيط السليم والعمل الدؤوب والتضحيات الجسام، لبناء القوة الرادعة قوة الطائرات والأسلحة الذكية والصواريخ عابرة القارات والدبابات والراجمات والبوارج حاملة الطائرات بل والقوى النووية ليس سكاكين وخناجر أو أسلحة مستوردة رديئة لا تقتل عصفورا ولا تخيف هرة.
ومع الفشل الذريع لاتفاقية الدفاع المشترك وتحول الهيئة العربية للتصنيع إلى مؤسسة مدنية بحتة أصبح ضرورة وليس ترفا للدول العربية استيعاب الدروس والعبر التي يلقيها علينا التاريخ وقراءة المتغيرات والتطورات الدولية المتسارعة والتهديدات الخارجية والمطامع الدولية والإقليمية في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، وهذا يتطلب تشييد بنية إستراتيجية تسليحية تحفظ الأمن القومي العربي في ظل هذه الظروف والصراعات الخطيرة المتلاحقة على المنطقة برمتها.
ولكي تبلغ الدول العربية أهدافها لا بد من التوافق على تدشين لجنة عليا متخصصة تضع إستراتيجيات مستقبل أمنها وأمن مواطنيها لتضيف لنفسها قوة تضاف إلى قوتهما النفطية والاقتصادية والإستراتيجية والبشرية وتمنحها دفعة قوية لمطالبة إسرائيل وإيران لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهذا لن يحدث إلا بامتلاك ناصية قوة المعرفة والمعلومات التقنية النووية للأغراض السلمية {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (الأنفال 60).
إن إسرائيل اليوم هي خامس دولة نووية في العالم وترسانتها النووية تحتضن أكثر من (200) رأس نووي، وبهذا استضعفت العرب فتجبرت وتكبرت وكررت عليهم اعتداءاتها ووجدت في ذلك المناصرة والمعاضدة من أمريكا وغيرها، وهي تشكل خطرا مؤكدا على العرب وعلى المسلمين من أفغانستان إلى المغرب العربي.
وإذا كان هذا هو حال العرب مع إسرائيل منذ تأسيس هذا الكيان العنصري على أرضهم عام 1948 الذي خرج من رحم وعد بلفور (اللعين)، فان حال أمتنا العربية مع إيران الشاه ثم إيران الخميني وحتى اليوم في عهد ولاية الفقيه خامينئي لا يختلف وضعه عن صراع العرب مع الدولة العبرية، بل إن الأمر أسوأ بكثير، فإيران في عهد الشاه وفي عهد الخميني احتلت جزر الإمارات العربية طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى وترفض رفضا قاطعا المفاوضات المباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لاستعادة الجزر كما ترفض اللجوء إلى التحكيم الدولي ناهيك عدم تلبيتها لنداءات مجلس التعاون الخليجي وجامعتنا العربية الداعية لإيران لحل مشكلة الجزر بالطرق السلمية طبقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
وبالقوة يتبجح قادة إيران بأن صار لهم السيطرة على مقدرات أربع دول عربية وتحديداً العراق وسوريا ولبنان واليمن ومعروف، تدخل الفرس علنا بالشئون الداخلية لمملكة البحرين، هذا التدخل الإيراني السافر المنافي لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية لا توقفه التنديدات والاستنكارات وبعض التصريحات التي تخطب ود إيران الجارة، إنما يوقفه التسلح بالقوة.
فالقوة هي التي حررت دولة الكويت الشقيقة، فالقرار السعودي التاريخي هو الذي تبنى قوة التحالف لتهب عاصفة الصحراء يغلي لهيبها لتتحرر الكويت وتشم رائحة الحرية وتعود لها حكومتها الشرعية.
والقوة.. بقرار تاريخي سعودي هي التي تضرب الأذرعة الإيرانية في الجارة اليمن، فالتدخل الإيراني داعما علي صالح والحوثيين بالأسلحة والمال هو الذي جعل هؤلاء يخرجون على السلطة المنتخبة.القوة السعودية التي تحت مظلتها التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن هي رسالة قوية للأعداء المتربصين بالأمن القومي العربي، تقول بلغة فصحى إن قوة المواقف السعودية.. قوة عدل، قوة جيشها وإستراتيجية أهدافها هي مع الحق ضد الباطل، مع الخير ضد الشر ومع العدل ضد الظلم.
ورعد الشمال (قوة) تشارك فيها أكثر من (20) دولة في منطقة حفر الباطن وفي مقدمة المشاركين دول المجلس الست ومصر وباكستان وتركيا وماليزيا والمغرب وتشاد والأردن وغيرها، وتعد المناورات الأكبر في العالم، وتشمل قوات برية وبحرية وجوية.
مناورات رعد الشمال رسالة قوية ترسلها بلاد الحرمين الشريفين وأشقاؤها وأصدقاؤها, إنها تقف (قوة) واحدة ضد كل التحديات والأخطار للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
وإذا كان يقال إن التجربة معلم قاسي يثريك ثم يعطيك الدرس فإن إيران وحلفاءها.. قد يتعلموا بعد أن أخذوا ما يكفي من ضربات القوة في اليمن مثلاً, ليفهم الجميع رسالة القوة السعودية، وأشقائها وأصدقائها ضد كل من يحاول العبث في سلام وأمن واستقرار المنطقة.
والله ولي التوفيق