د. عيد بن مسعود الجهني
رغم أنه لا يمكن التقليل من خطورة التهديدات الإرهابية التي تشكلها داعش والقاعدة وحزب الله والتنظيمات الإرهابية الأخرى على الدول والمجتمعات في الديار العربية بل والعالم أجمع، لكن هذا الخطر يعد مؤقتا، والتاريخ يحدثنا أن جماعات مثل داعش كالخوارج، والقرامطة والحشاشين وغيرهم، كانت جرائمهم إساءة لدين الله الخالد كما تفعل داعش ومنظمات إرهابية أخرى اليوم.
داعش مصيرها الزوال وهذا ما سيكتبه التاريخ عليها فزميلات لها في بلاد المسلمين وفي أوربا (الألوية الحمراء) في ايطاليا (المافيا) الايطالية، (بادر ماينهوف) الألمانية وغيرها كثير في الشرق والغرب أصبحت أثرا بعد عين، وهذا هو مصيركل حركة أو تنظيم إرهابي يتجمع الدول يدا واحدة لقهره وقتله في مهده، كما نرى في منظومة الدول التي فازت في الحربين الكونيتين والدول المقهورة في تلك الحربين المدمرتين تجمعت كلها على أرض بلاد الشام تحت عنوان محاربة داعش وان اختلفت أجندات تلك الدول، كل يسعى لمصلحته والضحية الشعب السوري المظلوم.
وإذا عرفنا أن تنظيم داعش مصيره الزوال لا محالة طال الزمن أو قصر، فإن إيران (جمهورية الفقيه) أو البعبع الإيراني الإرهابي باق في خاصرة الدول العربية فهي لا تكف عن التدخل السافر في الشئون العربية الداخلية منذ ثورة الخميني 1979 وحتى اليوم، مطبقة سياسة نشر المذهب الشيعي الانتماء الطائفي بعد أن فشلت في تصدير ثورتها التي أعلنتها في ذلك العام وإدراك الشعوب العربية لسذاجة الدعوة الإيرانية وتحطمها على صخرة نضوج الرأي العام العربي.
لكن جرت الرياح بما تشتهيه السفن بالنسبة لملالي طهران، العراق الذي وقف شوكة في نحرها عبر التاريخ تمكنت إيران بعد انهيار نظامه السياسي واحتلاله أمريكيا وبريطانيا عام 2003 من دخوله بقوة والسيطرة على كل مفاصل الحياة في ذلك البلد الشقيق ونشرت الفوضى العارمة في بلاد الرافدين مع إقصاء كامل للسنة وأطلقت يد المليشيات الشيعية هناك (فيلق بدر)، (جيش المهدي)، (عصائب الحق) وغيرها من الميليشيات التي تأتمر بأوامر خامينئي لاستهداف أهل السنة والجماعة وكانت النتيجة سوداء كما نراها في العراق اليوم.
لم يكتف الفرس بابتلاع العراق والسيطرة على كل مقومات البلاد وسحق السنة هناك، مستفيدين من المناخ السيئ الذي وفره لها الغزو منذ عهد بريمر والمالكي وحتى اليوم، بل امتدت أذرعها إلى بلاد الشام الذي تعاونت عليه إيران وروسيا وحزب الشيطان، لتشن الدولتان والحزب حربا لاهوادة فيها ضد الشعب السوري والمعارضة السورية التي ثارت على نازي جديد في الشرق الأوسط، ورغم ان شعار إيران وروسيا والحزب الشيطاني تصفية داعش، لكن حقيقة الأمر (المرة) ان حربهم (المعراة) ضد شعب أعزل انتهكت كل حقوقه وضد معارضة ثارت لنجدة هذا الشعب، أما داعش فهي ذراع فارسي روسي لا تصيبه رصاصة واحدة.
إيران الفارسية بعد أن شنت حربها الطائفية في العراق ومزقته إربا إربا بدأت حربها على الشعب السوري فزجت بالحرس الثوري الإيراني وجندت ميليشيات شيعية عديدة من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن وبالطبع حزب الشيطان في المقدمة تحولوا جميعا من المناداة بتدمير إسرائيل إلى تدمير بلاد الشام لدعم طاغية ذلك البلد.
النتيجة الحتمية لهذا المخطط الجهنمي المجوسي ان عدد القتلى في سوريا من أهل السنة زاد على (250) ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والملايين من المهجرين في البلاد العربية وأوربا وفي الداخل، ولا زال الحبل على الجرار والحرب الأهلية تدخل عامها السادس، وبهذا فإن إيران حققت حلمها في رسم خطوط الهلال الشيعي من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان.
كل هذا لم يغن إيران فهي الممول والمحرض للحوثيين والمخلوع علي صالح، ومدهم بالسلاح والمال للثورة ضد النظام السياسي المنتخب وشن حرب لا هوادة فيها ضد الشعب اليمني، وهدف إيران الحقيقي ضرب مكانة العرب السنة في كل الديار العربية والإسلامية، وهو هدف إستراتيجي لا يخفيه ملالي طهران منذ ثورتهم 1979 وحتى كتابة هذه السطور وسيبقى.
لذلك فإن عاصفة إعادة الأمل إلى أهل اليمن كانت قرارا تاريخيا إستراتيجيا سعوديا جاء في الزمن والوقت المناسبين لقطع الأيادي التي تمتد على أشقائنا في ذلك البلد وعمقنا الإستراتيجي وحدنا الجنوبي، فالقرار ضرب قادة طهران في الأذرع التي تؤلمهم وعندما خرقوا قرار وقف إطلاق النار كانت قوة التحالف بقيادة المملكة بالمرصاد.
ولا شك أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الفرس ردا على هيجانهم الشيطاني لإحراق السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد في ذلك البلد قرار تاريخي يعد واحدا من المواقف السعودية القوية التي عرف بها قادة المملكة، وهو صفعة بوجه الدولة المارقة التي لا تحترم القوانين الدبلوماسية واتفاقية فيينا بشأن حصانة البعثات الدبلوماسية والأعراف الدولية
إيران سجلها سيئ السمعة في مهاجمة السفارات معروف بين أعضاء المنظومة الدولية، بريطانيا وأمريكيا هوجمت سفاراتهما في بلاد الفرس، لكن الموقف السعودي يعتبر الأكثر قوة وحسما، وتنادت الدول العربية قاطعة علاقاتها مع المجوس، والأمر يستدعي طرح عدم احترام طهران للقواعد الدبلوماسية والقانون الدولي والأعراف الدولية واتفاقية فيينا أمام الأمم المتحدة ومجلس أمنها كدولة خارجة على منظومة العلاقة الدولية لتبقى تصرفاتها تلك عاهة في جبين ملالي طهران، إذ إن الهجوم البربري على سفارة المملكة وقنصليتها وهما بحكم القانون الدولي الدبلوماسي واتفاقية فيينا أرض سعودية مرفوع عليهما العلم السعودي، ولولا دعم السلطات الإيرانية وحماية الشرطة لهؤلاء الإرهابيين ما كانوا يجرؤون على ارتكاب جرائمهم تلك التي يجب الا تمر دون عقاب دولي.
وإذا كانت إيران تهدد دائما باستعمال قوتها البرية والبحرية والجوية فإن هذا التلويح بالقوة من دولة سكانها حوالي (80) مليون نسمة تعتمد في مداخيلها في الأغلب على البترول والغاز واستغلت شعبها منذ الثورة في الحروب والتدخلات في شؤون دول أخرى مصدرة أزماتها الداخلية من فقر وبطالة وفساد ودكتاتورية عمياء ..إلخ هذا جعل الدول العربية تدرك عدوانية هذا النظام الفاشي والعنصري الذي يبث سمومه في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتتدخل في الشئون الداخلية لمملكة البحرين وغيرها، وزاد لهيبه بعد توقيعه على اتفاق ملفه النووي مع الدول الغربية الذي قضى على أحلام إيران في تخصيب اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية.
وإذا كانت إيران وهي تبدأ مرحلة جديدة من تجاربها الصاروخية مخالفة لقرار مجلس الأمن 1929 الصادر عام 2010 وأمام أعين ماما أمريكا وحلفائها، فإن على العرب اليوم إدراك مغزى وإستراتيجية (قوة) إيران فهم المستهدفون بهذه القوة، وليس إعلان طهران (تدمير) إسرائيل سوى ذر الرماد في العيون، فالمعنيون بهذا التهديد هم العرب وعليهم بناء القوة، ولنعترف أن الأمور (معقدة) و (خطيرة) وأن ايران هي (الخطر) (الأكبر) على الأمن القومي العربي فهي تسيطر على العراق وسوريا ولبنان وهاهي تعبث في اليمن وحولت علي صالح والحوثيين إلى دمية تلعب بها لتدمير اليمن.
ولا شك أن بناء القوة ضرورة وليس ترفا ومن عناصرها اقتناعنا أن إيران تمثل خطرا حقيقيا وهي دولة إرهابية كبرى، ولا بد من تبني إستراتيجية عربية توضح بجلاء لا غموض فيه موقفنا من هذا العدو المتحفز، وإذا ما تحددت بالفعل عناصر هذه الإستراتيجية وتم الاتفاق عليها وجب تنفيذها لمواجهة الأطماع الإيرانية ووأد المشروع الفارسي في المنطقة، ولن يحدث ذلك إلا ببناء القوة، العالم لا يصغي إلا للقوة والدولة لا تستطيع تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع مادي إلا بالقوة.. والحرب في العالم الذي نعيشه اليوم تعتمد على (قوة) الالكترونيات والتكنولوجيا والرياضيات المتطورة التي بإمكانها أن تحسم المعارك قبل ان تبدأ.
ولا توجد سياسة وعلاقات دولية لا تحتوي بين طياتها على القوة، والقوة شديدة الارتباط بالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي، كما أن العلم أصبح في عصرنا هذا من الناحية العسكرية أهم من الجنود وكثر الآليات والمعدات الحربية.
إسرائيل التي بدأت سلسلة صراعاتها مع العرب منذ عام 1948 ولا زالت تعربد وتصول وتجول، فبعد احتلالها لفلسطين شنت حرب 1956 ثم حرب 1967 وتبع ذلك حرب 1973 ثم حروبها على لبنان 1982، 1996، 2006، ومحرقة غزة 2008 و 2012م و 2014م والمخطط الرهيب مستمر ونتنياهو مع إطلالة كل يوم يزداد تعنتا وتشنجا وصراع السلام أو محادثات السلام يتلاعب ويماطل بها.
وإذا كان هذا هو حال العرب مع إسرائيل منذ تأسيس هذا الكيان العنصري على أرضهم الذي خرج من رحم وعد بلفور (اللعين)، فإن حال أمتنا العربية مع إيران لا يختلف وضعه عن صراع العرب مع الدولة العبرية، فالدولتان الوحيدتان في عالم اليوم اللتين تتبنيان العنصرية العفنة إسرائيل التي تصر على اليهودية وإيران تقدم نفسها للعالم أنها راعية التشيع وهذا مفهوم خطير في العلاقات الدولية.
طهران احتلت جزر الإمارات العربية طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى وترفض رفضا قاطعا المفاوضات المباشرة مع الإمارات لاستعادة الجزر، كما ترفض اللجوء إلى التحكيم الدولي ناهيك عدم تلبيتها لنداءات مجلس التعاون الخليجي وجامعتنا العربية الداعية لحل مشكل الجزر بالطرق السليمة طبقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
والآية وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ الأنفال 60، والآية يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا مريم 12 تدلان على عبقرية القرآن في طرح الحقائق فهما تشيران بل توضحان صراحة ما ذهبنا إليه.
إن الحق والخير بحاجة لقوة تحفظهما وتحميهما والدفاع عنهما، فأمرت الآيتان المسلمين أن يعدوا من أسباب القوة ما يستطيعون به ان يرهبوا عدوهم ويردعوه فهم على حق وعلى خير، والحق أعداؤه كثيرون، وسيعملون جهدهم لمحاربة الخير، فإن كنت على حق فأنت بحاجة إلى (خيزوم) قوي مثل خيزوم السفينة تشق به عباب البحر المتلاطم والأمواج العاتية لتستطيع التقدم والبقاء.
المهم أن تنظيم داعش الإرهابي خطر وفي النهاية سيقضى عليه ولكن طهران أخطر على العرب وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان.. فالنفوذ الإيراني ممتد على جزر الإمارات العربية المتحدة وعلى العراق وسوريا ولبنان واليمن هو الآخر يتعرض لهجمة إيرانية مستمرة، وهذا التمدد الخطير أحدث تغييرات (ديمغرافية) غاية في الخطورة على أرض تلك الدول التي اخترقت سيادتها بالتدخلات الإيرانية المتعارضة مع القانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
إن قاعدتي القانون الدولي الأساسيتين هما القوة والمصلحة.. وإيران تشكل خطرا مؤكدا على العرب كما تشكله إسرائيل، ولطهران أهداف لا تخفيها.. أهداف عدوانية ضد العرب بل على المسلمين كافة.. الذين عليهم أن يسعوا لامتلاك القوة اليوم وليس غدا فبدونها لا سلام ولا نصر ولا عزة.
وإذا كان مشروع قوة دفاع عربية مشتركة هي إحدى وسائل العرب في التصدي لأعدائهم، فإن الوقت قد حان لبث الروح في هذا المشروع (القوة) ليصبح حقيقة وليس خيالا.
ثم على جهات الإدارة التي تتابع تطورات الشأن الإيراني دعم مركز أو مراكز تتخصص في تتبع ودراسة المشروع الإيراني والشخصية الإيرانية الخبيثة الذي يعد حقا خطرا محققا على المنطقة العربية برمتها.
دعم المعارضة الإيرانية، وما أضخمها واجب اليوم ومنها البلوش وعرب عربستان وأكراد كرمنشاه، وبالطبع مجاهدي خلق وغيرها من المنظمات المناهضة التي هي خنجر مسموم في خاصرة ولاية الفقيه.
قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية كما فعلت أوربا وأمريكا مع ذلك البلد.
فالعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص.
والله ولي التوفيق