د. عيد بن مسعود الجهني
القرن المنصرم بفاشيته ونازيته احتلت أحداثه الصدارة بنشوب حربين كونيتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من البشر، وانهارت إمبراطوريات وقامت على أنقاضها إمبراطوريات من أهمها إمبراطورية أمريكا، والاتحاد السوفييتي (السابق) ونظم المجتمع الدولي الجديد من خلال الأمم المتحدة التي أسست على أشلاء عصبة الأمم، وأصبح مجلس الأمن يديره الكبار أصحاب الفيتو البغيض (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين).
وغابت شمس ذلك القرن الذي شهد الظلم العالمي ضد العرب الذين أسست الدولة العبرية على أرضهم 1948 وشنت عليهم حروب 1956، 1967، 1973، وما تلاها من حروب على لبنان وفي فلسطين لنرى مجازر صبرا وشاتيلا وجنين ومحارق غزة وغيرها على يد مجرمي إسرائيل.
وإذا كان أصحاب الجرائم الكبرى ضد الإنسانية يغشاهم الفرح والسرور وهم يرون الدماء الطاهرة تسير أنهارا فإن هذا هو عنوان النازيين في القرن المنصرم وفي هذه الألفية التي يشهد زمانها جرائم كارثية غير مسبوقة بالتاريخ الإنساني، فالعرب الذي ارتفعت أصواتهم حتى بحت كانوا على مدى أكثر من خمسة عقود يصرخون منادين برفع الظلم الإسرائيلي ولا صوت يقول ها أنذا لكباح جماح الظلم، (فالفيتو) الأمريكي البغيض كان بالمرصاد لكل قرار لمجلس الأمن لتصبح قراراته في مزبلة التاريخ.
اليوم يسجل تاريخ العرب كارثة إنسانية على أرض بلاد الشام أشد وأمر، لاعبوها طاغية الشام، ملالي طهران، حزب الشيطان، العراق، روسيا، لتشهد سوريا مذابح مضايا، معضمية الشام في الغوطة الغربية، مخيم اليرموك جنوب دمشق والزبداني، والحبل على الجرار في جميع مناطق الشام باستثناء دمشق التي يقبع بها الطاغية وطرطوس واللاذقية حيث قواعد روسيا الظالمة.
أهل الشام في المدن والقرى كما تعرض صورهم بعض وسائل الإعلام على استحياء محاصرون لأشهر عدة بل لسنوات لا يجدون طعاما ولا دواء صرخاتهم وأنينهم تشق عنان السماء، يمزق أجسادهم الجوع ويهدهم المرض يتجرعون مرارة الحاجة وتغص حلوقهم بذلة المسكنة، أصبحت أجسادهم لم يتبق منها إلا العظام يهيمون على وجوههم بحثا عن لقمة تسد رمقهم ولم يجدوها!!
ومن الذي يرتكب هذه الجرائم ضدهم؟ هم الذين كانوا منذ عام 1979 ينادون بتدمير إسرائيل ويلقبون أنفسهم بدول الممانعة، إنهم ملالي طهران ودكتاتور سوريا وحزب الشيطان، وقد هب معهم بعض شيعة العراق وباكستان وأفغانستان ومنحتهم روسيا مظلة جوية وصواريخ مدمرة فاشترك المجرمون في قتل وتشريد وتجويع أهل الشام.
الولي (السفيه) وحزب الشيطان والنظام السوري البائد شنوا حربا جوية وأرضية على الشعب السوري بدعم روسي (أفلج) ليخرج من رحمه (4) ملايين لاجىء في سجل الأمم المتحدة منتشرين في لبنان والأردن وتركيا، ناهيك عن عدد كبير لم تصل اليهم حسابات الأمم المتحدة بعد، أما النازحون داخل وطنهم فحدث ولا حرج فبعض الإحصائيات تؤكد أنهم بلغوا حوالي (8) ملايين نازح، وتنقل لنا وسائل الإعلام الهاربين من جحيم النار المشتعلة في ذلك البلد الشقيق قاصدين بعض دول أوربا ومنهم من يلقى حتفه غرقا، وآخرون يسيرون في الطرقات هائمين على وجوههم باحثين عن دولة تفتح صدرها لهم.
هذه مأساة كارثية تاريخية عاهة في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي في الألفية الثالثة التي بلغ فيها العلم مبلغه غزوا للفضاء والسباحة فيه، والتشدق بحقوق الإنسان وفي الحرية والديمقراطية وتقرير المصير..الخ.لكن الوجه الحقيقي القبيح لهذا الزمن السيئ شعب يقتل منه أكثر من (250) ألف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ ، ناهيك عن مئات الآلاف من المعاقين والجرحى، ولا زال العالم يتشدق بحماية بحقوق الإنسان والمعتقلين والجرحى والمعاقين ويردد الالتزام باتفاقيات جنيف الأربع والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وجامعتنا العربية.
واذا كانت بعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة التي استضافت 2.5 مليون من الأشقاء السوريين ولها مشروع إغاثي ضخم، والدول المجاورة لسوريا تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين تطبيقا لقول الله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 22 النور، وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه البخاري ومسلم، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم.
فماذا يقول مجتمع القرن الواحد والعشرين عن الحصار الذي فرضه ويفرضه سفيه ايران وأعوانه النظام السوري وحزب الشيطان على بعض المدن والقرى السورية، ليسجل التاريخ أعظم كارثة إنسانية على أرض سوريا، الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم يقتلهم الحصار يتضورون جوعا، يموتون ببطء.. يعرض بعض الإعلام صورهم ولا مجيب ولا مغيث.. المجتمع الدولي في أذن طين وفي الأخرى عجين!!
الإنسان في سوريا بلد الخيرات وسلة غذاء العرب.. لم يجد ما يأكله، النظام وحلفاؤه ايران وحزبها الشيطاني فرضوا الحصار على البشر ولم يجدوا ما يأكلون، أكلوا أوراق الشجر على قلتها مع تساقط الثلوج، وأكلوا حتى حشائش الأرض ولحوم القطط والكلاب المحرمة شرعا، وقد شاهد العالم هذه المأساة الإنسانية الكبرى قبل وبعد دخول بعض قافلات الإغاثة إلى مضايا.
في هذه الكارثة الإنسانية مارس النظام والحزب وملالي طهران هواياتهم في ارتكاب جرائمهم وتعذيب أهل السنة والجماعة، مارسوا لعبة التجارة والاستغلال، المرابط المدافع عن أرضه وعزته وكرامته وعرضه ولحاجة طفله وأسرته للقمة العيش قدم بندقيته ليحصل على حفنة من طعام.. استغلال بشع لمعاناة المدنيين المحاصرين وتجويع نتيجته الحتمية الموت.
حرب التجويع هذه لم تعرف في قرن الحربين الكونيتين في القرن المنصرم، ولم تطبقها إسرائيل في حروبها ضد العرب.. لكن طهران وأعوانها مارسوها بامتياز في مضايا والزبداني ومعضمية الشام ومخيم اليرموك وغيرها، هذه الجرائم البشعة تعد في ظل القانون الدولي والأعراف الدولية وقانون محكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف الأربع والقانون الإنساني الدولي جرائم إبادة جماعية وتضاف إلى جرائمهم من قتل وتشريد وتهجير واستعمال للأسلحة المحرمة دوليا.
هذه المأساة التي تفوق الخيال جرائمها ترتكب أمام أعين المجتمع الدولي والأمم المتحدة (الضعيفة) ومجلس أمنها (المقهور) (بالفيتو) فلم يعرف في التاريخ الإنساني الحديث على (الأقل) ان دولة او حلفا بما فيها إسرائيل استعملت سلاح التجويع، سوى (الفقيه السفيه) والنظام السوري وحزب الشيطان فقد حولوا سلاح الجوع ليصبح أكثر فتكا من أسلحة الدمار الشامل الذي استعملوه ضد الشعب السوري.
اليوم يشاهد العالم مليشيات ايران والنظام السوري وأمين حزب الشيطان يفسدون في الأرض ينشر الاضطراب والخلل وعدم الاستقرار والقتل والتجويع والتشريد كما فعل الخوارج والقرامطة وغيرهم من الفرق الإرهابية الضالة، يمارسون كل هذه الجرائم مع سبق الإصرار ويمنعون المساعدات من الدخول لإنقاذ بعض المحاصرين رغم توقيع بعض الاتفاقيات التي تسمح بإدخال بعض المساعدات الغذائية المقدمة تبرعا من بعض المنظمات الإنسانية.
وإذا كان هؤلاء المجرمون قد ارتكبوا جرائمهم غير المسبوقة في التاريخ بأسلحة بعضها محرم دوليا وأسلحة دمار شامل التي تحدث حروقا وعاهات تستمر لفترة طويلة وتحرق البشر والشجر والحجر، فهذه جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال وغيرهم الذين قتلوا بدم أبرد من الثلج!!
ولهذه الجرائم عقوبات محددة يجب ان توقع على مرتكبيها، بعد ان خرقوا كل قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لحماية المدنيين في وقت الحرب ولحماية حقوق الإنسان وغيرها.
إن من يقرأ التاريخ الإنساني ويعرج على القانون الدولي ويستعرض ميثاق الأمم المتحدة الذي أساسه إشاعة الأمن والسلام والعدل في العالم، ويتصفح اتفاقيات جنيف الأربع وحقوق الإنسان، وعلى دراية بتاريخ اليهود الأسود مع العرب ومناصرة أمريكا ودول أخرى كبرى للدولة العبرية وغض الطرف عن جرائمها، منذ تأسيسها على ارض العرب حتى اليوم، ويقارن تلك الجرائم البشعة مع ما فعلته وتفعله طهران صاحبة ولاية السفيه ومعها حزبها الشيطاني دعما لدكتاتور أهوج تحميهم مظلة بربرية روسية ظالمة، يدرك ان جرائم هؤلاء أعظم وأفدح من جرائم بني صهيون فهؤلاء المجرمون أفنوا شعبا بأكمله تعداده (26) مليونا ودمروا الشجر والحجر وأصبحت بلاد الشام أثرا بعد عين، وهذا أساسه الطائفية العفنة التي يقودها ملالي إيران المنادين بتجميع الشيعة بنسبتهم التي لا تزيد على 14 في المئة من نسبة المسلمين تحت قيادة ملالي ايران لشن حرب هوجاء ضد المسلمين كافة.
وإذا كان نتنياهو ينادي اليهود بالتجمع تحت رايته معلنا ان إسرائيل أكثر أمنا.. وهي في حقيقة الأمر أكثر خطرا فكيف بدولة تستعمر دولة أخرى (بالقوة) تصبح أكثر أمنا، وهذا هو حال طهران.. فكيف بهذه الدولة المجوسية المنادية بالعنصرية والطائفية وبث الفتن في ربوع الديار العربية والإسلامية ان تكون دولة مستقرة وآمنة وهي في الأصل فاقدة لعناصر الأمن والبقاء الاقتصادي والسياسي والولاء لرجل واحد (فقيه سفيه).
ثم كيف للنازي الذي قتل الشعب السوري ودمر البلاد وشرد العباد وارتكب جرائم إبادة غير مسبوقة في التاريخ ان يبقى في سلام وأمان.. فمصيره الهلاك طال الزمان أم قصر، فالخوف أشاعه هذا الجزار وزبانيته وأعوانه الظلمة.. لكن الأمل موجود واليأس مفقود.. ولا يضيع حق وراءه مطالب. والله ولي التوفيق.