د. صالح بن سعد اللحيدان
في عدد سلف من صيد الطرائد النادرة في أساسيات علم اللغة وما تحويه من ضروريات معرفة الأسماء والكنى والألقاب، فضلاً عن مطولات الأسفار وفروعها، أوردت ما لا بد من بيانه من هذه الأسماء والكنى والألقاب التي قد ذكرها المصنفون خلال العهود، ولم يبينوا كثيراً من معانيها مما قد يشكل على كثير من القراء من العلماء والفقهاء والمثقفين. وإنني هنا لا آلو جهداً على بذل ما يسعني من ذكر أصول لا بد أن أذكرها، ومن ذكر فروع لا بد أن أبينها؛ ذلك حتى يطبق النص على حقيقته التي لا تحتاج بعد ذلك إلى جهد ولا إلى بذل ولا إلى وقت.
ولعل بيان كثير أو جل الأسماء والكنى والألقاب وكذلك الأماكن والبلدان هذا دون ريب قد تبنى عليه أحكام شرعية أو سياسية أو علمية أو لغوية ونحوية. وإذا لم أقم أو غيري من المتخصصين ببيان هذا فلا شك أنه قد يختلط شيء في شيء آخر؛ فلا تتضح هناك الأمور التي يجب أن تتضح.
ومثال هذا الخلط بين الخطيب البغدادي والحافظ العراقي.
وكذلك الخلط بين ابن تيمية وجده ابن تيمية صاحب (المسودة).
وكذلك ابن قيم الجوزية وابن الجوزي.
وكذلك محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح وشيخه بالاسم نفسه محمد بن إسماعيل البخاري.
وكذلك الخلط بين الطبري والطبراني، فالأول مؤرخ، والثاني من كبار المحدثين.
وكذلك الخلط بين أبي سعيد الخدري وأبي أيوب الأنصاري.
وكذلك الخلط بين حميد الحميري والإمام حميد الزهري.
وكذلك الخلط بين عبدالله بن زيد الخزرجي وعبدالله بن يزيد الخزرجي، وكلاهما صحابي.
وكنت قد بينت شيئاً من هذا.
فضلاً عن الاعتماد على كتب تاريخية، تحتاج أكثر ما تحتاج إلى الأسانيد بقوة الاتصال وسلسلة الرواة الموصلة إلى المتن، ككتاب (ابن شبّه) وما دونه الأزرقي والمسعودي والثعالبي. فهذه كتبٌ أسانيدها في غالب ما جاء فيها نظر تحتاج إلى نظر أحوال الرواة للحكم على المتن.
وليس ببعيد أيضاً نسبة بعض الكتب إلى كبار العلماء ولا تربطهم بها صلة.
وذلك مثل (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة فهو ليس له.
وكذلك كتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لابن الجوزي وليس له.
وإنما أوردت هذه الأمثلة لأن معرفة الأساليب وطريقة الطرح بمعرفة حال العالِم تتبين عن طريق الموازنة والتحليل النقدي بضوابط الفهم وسعة المدرك، ويتبين من ذلك أن هذا ليس لذاك.
ونبدأ الآن في إيراد بعض الكنى أو الألقاب أو الأسماء؛ لعل ذلك بنافع أبداً - بإذن الله تعالى -:
أولاً: أحمد بن حنبل إنما اسمه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. وشيبان هذا يعود إلى قبيلة ربيعة.
ثانياً: ابن ماجة، وهذا هو المشهور عنه، وقليل هم من يذكر اسمه. وقد وجدت هذا في كثير من الكتب والمحاضرات، وإنما اسمه محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني.
وكنيته أبو عبدالله.
ثالثاً: يحيى بن سعيد هم أربعة:
يحيى بن سعيد القطان ثقة ثبت حجة، روى له الجماعة أصحاب الكتب الستة.
يحيى بن سعيد التيمي.
يحيى بن سعيد القرشي.
وقد يغلط حتى بعض كبار العلماء من المحققين ومن طلاب العلم والدعاة عند ذكر أحد هؤلاء فيقول يحيى بن سعيد، وإنما من الضروري علمياً من باب نسبة الرواية إلى راويها أن نذكر التركيبات الثلاثة دون يحيى بن سعيد فقط.
وقد وجدت بعض الشراح من السالفين فعل هذا، لكن لعلهم لا يقصدون التدليس، إنما ذكروا ذلك لأن كل واحد من هؤلاء له طبقة معينة، فيعرف هذا العالم من خلال طبقته.
من هذا الباب فإنني أذكر بعضاً من كتب الطبقات وكذلك اسم المصنف من العلماء.
فمن هؤلاء:
أولاً: الهيثم بن عدي وكتابه (طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وكذلك كتاب (طبقات الفقهاء والمحدثين).
ثانياً: محمد بن عمر الواقدي وكتابه (الطبقات).
ثالثاً: محمد بن سعد الإمام المعروف وكتابه (الطبقات).
رابعاً: إبراهيم بن المنذر له كتاب (الطبقات).
خامساً: خليفة بن خياط وكتابه (الطبقات).
سادساً: مسلم بن الحجاج وله كتاب (الطبقات).
سابعاً: أبو بكر البرقي وكتابه (الطبقات).
ثامناً: أبو حاتم الرازي وكتابه (طبقات التابعين)، وهذا الكتاب من أجلّ الكتب التي يحتاج إليها العلماء ومن يبحثون في أصول الأسماء والكنى والطبقات.
تاسعاً: أبو زرعة النصري الدمشقي وله كتاب (الطبقات).
عاشراً: أبو القاسم مسلمة بن القاسم الأندلسي وكتابه (طبقات المحدثين).
الحادي عشر: أبو الفضل علي بن الحسين الفلكي وكتابه (طبقات الرجال) كما ذكره غير واحد، وأشار إلى هذا د. أكرم بن ضياء العمري، ونقله عن السخاوي في الإعلان بالتوبيخ ص715.
ومن فوائد ما يمكن صيده من درر المصنفات خلال عهود خلت أذكر الكتب التي ذكرت الأسماء والكنى والألقاب، وسوف أعول هنا على بعض ما ذكر أكرم بن ضياء العمري.
أولاً: مسلم بن الحجاج وكتابه (الكنى والأسماء)
ثانياً: أبو عبدالله بن أحمد المقدمي وكتابه (أسماء المحدثين وكناهم)
ثالثاً: النسائي وكتابه (الكنى)
رابعاً: أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني وكتابه (الأسامي والكنى)
خامساً: ابن الجارود وكتابه (الأسماء والكنى)
سادساً: أبو بش الدولابي وكتابه (الكنى والأسماء)
سابعاً ابن أبي حاتم الرازي وكتابه (الجرح والتعديل)
ثامناً: محمد بن حبان البستي وكتابه (أسامي من يعرف بالكنى) و(كنى من يعرف بالأسماء)
تاسعاً: أبو الحسين بن عبدالله زكريا حيوية وكتابه (من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة).
عاشراً: أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي وكتابه (تسمية من وافق اسمه اسم أبيه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المحدثين)
الحادي عشر: أبو أحمد الحاكم النيسابوري وله كتاب (الكنى)
الثاني عشر: أبو عبدالله محمد بن إسحاق الأصبهاني وكتابه (الأسماء والكنى)
الثالث عشر: أبو عبدالله الحاكم النيسابوري وكتابه (الكنى والألقاب)
هذه الكتب وما قبلها أقطع كل القطع وأجزم كل الجزم، فضلاً عن أنني لا أظن أحداً يخالفني، أن كل واحد بحاجة إليها، ويكفي منها على الأقل أن تراجمهم تحيي القلوب، وتشحذ الهمم، وتغذي العقل بالحكمة والتجربة، وكيف وصل هؤلاء الكبار إلى خلود الاسم عبر تطاول الأزمان.
ولهذا لعلي لا أبعد النجعة إذا قلت إن كثيراً من هذه الكتب قد لا يعيها كثير من المعاصرين الذين يحققون التراث حينما يريدون الترجمة وذكر الأسماء والألقاب، وإنما يعولون على كتب المعاصرين، وينقلون منها ولا يعولون على المتقدمين، وإن كان هذا لا ضير فيه لكن شربك من أعالي النهر لعله خير من شربك من آخر مجراه.
ومن رُزق حساً نقدياً واستعداداً ذهنياً وهو يقرأ هذه التراجم لكبار العلماء لعله يستفيد فيكون أحد الذين يضيفون جديداً في وقت نحتاج فيه كثيراً إلى سعة المدارك للإضافات النوعية غير المسبوقة بحال.
ولا شك أن تراجم كبار العلماء ممن ورد ذكرهم يساهم في علو الهمة.
ولعلي في خالفة تخلف آتي على شيء من هذا وأمثاله. والله المستعان.