د. صالح بن سعد اللحيدان
كنت قبل ذلك في عدد سلف، وذلك في تاريخ 20 من ربيع الأول 1437هـ، العدد 15829، قد بيّنت شيئاً ذا بال، وصل تعدادها إلى ثلاثة عشر من الأسماء والكنى ذات الإبهام التي قل أن يدرك معانيها إلا القلة؛ وذلك لأن غالب الناس من العلماء والمثقفين يأخذون بالمشهور مما يطالعونه في الأسفار عند المتقدمين وعند المتأخرين سواء بسواء.
وهذه ولا جرم أراها معضلة، لا بد لي ولغيري من ذوي الاختصاص في مجريات العلوم من سالف العهود عند الأقدمين من بيانها؛ حتى يكتمل لباب العلم اسمه ورسمه، لفظه ومعناه، من أجل معرفة المراد للدلالة على المعاني التي نتصل عن طريقها بمراد الأسماء والكنى، خاصة عند تشابه الأسماء وتشابه الألقاب، كذلك تشابه الكنى؛ حتى نقف على ما يخص هذا وذاك.
والعلم بحاجة كل الحاجة إلى طول التأمل وعمق النظر بواسع من عقل رزين.
والعقل أشبه ما يكون بالرحى، كل شيء يرد إليه ويوضع فيه فإنه يطحنه، لا يبالي؛ ولذلك فإن من أساسيات سلامة العقل صفاء الذهن؛ حتى لا يطحن العقل ولا يعقل ولا يعي إلا المعلوم الدال على مفهوم يحسن السكوت عليه، فيكون العالم والمثقف والمحقق على بيّنة من أمر لا بد أن يكون.
وهذا دون ريب كله يعود إلى سلامة العقل من غبش الاختلاط وشواذ المعارف واختلاط الأمور من هنا وهناك.
والعقل هنا إذا كان سالماً من العوارض فإنه يسلك سبيلاً قويماً؛ فينتج منه ولو في دائرة ضيقة التجديد والنزوع إلى الإضافات النوعية. فلعل هذا يكون طريقاً يعيه كل أحد من الشاعرين بمسؤولية العلم، دقه وجله.
وعلى هذا الأساس أكمل ما يتعلق ببعض الأسماء الشائعة، وكذلك الكنى والألقاب، وأبيّن المعاني منها، وما تدل عليه.
وإنما هذا ليس إلا مساهمة، لعلّها تفي بالغرض في وقت نحتاج فيه إلى سبق يتكئ على قاعدة صلبة، لا تحول ولا تزول.
فمن ذلك أولاً: اشتُهر عبدالمطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكاد يعرف إلا بهذا، واسمه (شيبة)؛ لأنه وُلد وفي شعره شيب.
ومن نافلة القول أنه لا يجوز التسمي بعبدالمطلب.
ثانياً: قريش، قبيلة عدنانية، وغالب الناس لا يعرف عن قريش الاسم والمعنى الدال عليه.
وإنما قريش وصفٌ لاصق بجد قريش الذين جاؤوا بعده، وإنما اسمه (فهر)، وقيل (عامر)، وقريش إنما هو لقب له.
ثالثاً: زهران، إنما هو اسمٌ بخلاف قريش، وبخلاف عبدالمطلب، فهو اسمٌ على مسمى، واسمه (زهران بن الأسد بن الغوث). وزهران من الزهرة، وهو الجمال والنضارة.
رابعاً: دوس، اسم رجل كذلك كما تقدم القول، وليس وصفاً أو لقباً، واسمه (دوس بن عدنان بن عبدالله بن زهران بن كعب).
خامساً: بدر، يعرف الناس على تجرُّم القرون مدينة بدر التي كانت من قبل قرية زراعية صغيرة في الجاهلية.
ولا يكاد يعرف غالب الناس بدراً إلا أنها قرية، ثم هي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مدينة ذات زرع ورعي وماء وخير وفير. وإنما بدر هذه سميت كذلك لأن أول من ابتدعها هو بدر بن قريش بن النضر بن كنانة، ولا علاقة له بقريش السالفة الذكر، إنما هذا - أعني بدراً - (من غفار) القبيلة المعروفة.
سادساً: النقض المنكوس، وسمي بهذا لأن كفار قريش ومن وافقهم نقضوا صلح الحديبية مع حلفائها (بني بكر) على قبيلة (خزاعة) حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان هذا وبالاً عليها، وكانت تظن أن ذلك فيه الخير لها، ولم تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسير على المبدأ الذي لا يزول.
سابعاً: أبو بصير، وهذا الرجل لا يكاد يعرف إلا بهذا الوصف الذي هو الكنية، وله قصة مطولة عند المؤرخين، وغالب من طالعت الذين كتبوا عنه لا يكادون يذكرون إلا (أبا بصير)، وإنما هو (عتبة بن أسيد الزهري).
وقصته عند المؤرخين قد أجملها الإمام ابن إسحاق في السيرة في الجزء الأول، وهي قصة لا إخال أحداً إلا وهو يحتاج إلى نظرها لما تتضمنه من سعة البال وسعة الحيلة وضخامة العقل.
ثامناً: مزينة، مزينة هذه لا يكاد يمر يومٌ إلا ويمر على السمع (مزني) أو (المزني). وهذه الياء نسبة إلى قبيلة لا علاقة لها بقبيلة حرب الخولانية التي جاءت إلى جزيرة العرب منذ قرابة 800 سنة، جاءت من خولان من اليمن.
وقبيلة حرب قبيلة ذات كرم ودين.
أما مزينة هذه فهي قبيلة مستقلة، وهي من مضر.
ومزينة هم أبناء (طابخة بن اليأس من قبيلة مضر)، كذلك قال من تقدم.
تاسعاً: جهينة، تسكن قبيلة جهينة على ساحل البحر الأحمر (القلزم)، وهي تسكن في غرب جزيرة العرب، وقد أسلمت هذه القبيلة دون حرب لضخامة عقول أهلها، وسعة مداركهم، وظهر منهم صحابة أجلاء.
وإنما جهينة قبيلة (قحطانية)، وهذا عندي غريب. وجهينة هم أبناء جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم من (قضاعة).
عاشراً: انتشر بين الباحثين وكتّاب الأخبار والأنساب كذلك (الأوس والخزرج) على أنهما قبيلتان، أو أنهما فخذان من قبيلة واحدة. ولعلي أجزم أن هذا الظن قد سرى بين كثير من الناس، فهم لا يدركون ما وراء هذين الاسمين أو إن شئت فقل الوصفين.
وإنما الأوس والخزرج، اسمان لرجلين، وهما (أبناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر)، وفدوا إلى المدينة من قديم الزمان بعد تهدم سد مأرب كما جاء (في سورة سبأ) في قصة عجيبة رواها ابن كثير وابن الجوزي وابن هشام الأنصاري وابن أثير الجزري، وسواهم خلقٌ كثير من المفسرين والمؤرخين وكتاب السير.
الحادي عشر: الأشج، ولا يكاد يعرف إلا هذا الوصف عند الحديث عن هذا الرجل، وقصته العجيبة التي رواها البخاري عن ابن عباس مطولاً ورواها أحمد في المسند ج3/ ص431/ ص432، وكذلك رواها أصحاب السير.
وإنما هذا الرجل صحابي جليل ضخم العقل، عظيم الخلق، وله من الحلم والأناة الشيء الكثير.
واسمه المنذر بن عائذ، وقصته أنه وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قومه وهم يقربون من ثلاثة عشر.
(وفي القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أومأ إلى صبره فقال: أتسمون هذا البرني؟ فقلنا: نعم. قال: أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم. قال فرجعنا من وفادتنا تلك فأكثرنا الغرز منه وعظمت رغبتنا فيه حتى صار عظم نخلنا وتمرنا البرني. قال فقال الأشج: يا رسول الله، إن أرضنا أرض ثقيلة وخمة، وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا وعظمت بطوننا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير وليشرب أحدكم في سقاء يلاث على فيه. فقال له الأشج: بأبي وأمي يا رسول الله، رخص لنا في هذه. فأومأ بكفيه وقال: يا أشج إن رخصت لك في مثل هذه وقال بكفيه هكذا شربته في مثل هذه وفرج يديه وبسطها. يعني أعظم منها حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فهزر ساقه بالسيف. وكان في الوفد رجل من بني عضل يقال له الحارث قد هزرت ساقه في شرب لهم في بيت تمثله من الشعر في امرأة منهم، فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسيف. قال فقال الحارث: لما سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلت أسدل ثوبي لأغطي الضربة بساقي، وقد أبداها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -).
الثاني عشر: والمقصود بالدباء والحنتم والنقير أوانٍ يجعل فيها الخمر حتى تقذف بالزبد فيكون خمراً.
والدباء: هو القرع يجوف ويلقى ما في داخله فيكون كالإناء.
الثالث عشر: الأحساء، وعبد قيس وأميرهم الأشج كلهم من الأحساء، وقديماً تسمى الأحساء (البحرين)، ولعل هذا الاسم العلمي (بفتح اللام) سمي بالأحساء خلال القرن الرابع من الهجرة المباركة.
قلت: ومنذ أقدم الأزمان كان قد سكنها الكنعانيون، وكانت قاعدتهم - فيما أعلم - (الجرهاء).
ولست أعلم هل هي اليوم موجودة بهذا الاسم أم إنها تغيرت عبر السنين على تعاقب الأزمان والأحقاب.
ولعلي فيما يأتي من الأيام أورد من الأسماء والكنى والألقاب ما يحتاج إليه الكافة للوقوف على معناه للحاجة إلى هذا دون نكير.