د. صالح بن سعد اللحيدان
ندلف الآن إلى القول بإيراد بعض الأسماء والكنى التي يحتاجها كثير من العلماء وصناع الثقافة والأدب ومن ينحو نحوهم, ذلك أنني قد عاينت وقرأت كثيرا من مسطرات القوم فوجدت أن هناك كثيرا من الاسماء والكنى والألقاب
تمر مرورا دون بيان لمعانيها.
وهذا يجعل العلم في سبيل يحتاج معه إلى أن يقوم على المفاهيم الدالة على المعاني التي يحتاجها المطالع
ذلك أن بيان المبهمات يزيد من الفهم ويعطي العقل فسحة للاجتهاد وبذل الرأي على سبيل لعله يجدي ويفيد.
ناهيك عن الإضافة التي قد يجر إليها ماكان مبهما من قبل بسبب قصة أو رواية أو حكمة أو مثل تنسب إلى هذا
أو إلى ذاك.
وإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فإن تفسير الأسماء وبيان معاني الكنى والألقاب يدل دلالة بينة على سعة اطلاع
المصنف في مجال العلم والثقافة والأدب لاسيما حقيقة الرواية والدراية.
وكم قاد بيان معاني الأسماء والكنى كم قاد إلى طريق جديد وجيد صنفت من أجله المصنفات الكثيرة خلال العهود
العلمية منذ سنة 30 هـ إلى سنة 1100 هـ .
وإذا كان العلم يقوم على الإيضاح للدلالة على المعاني وماتقوم عليه فإن سبيلي في هذا كله أن أجلب المشهور من هذا وذاك وأضيف شيئاً لعله لم يكن من قبل لما قد رأيت من ضرورة هذه الإضافات التي لابد منها.
من هذا أبين ما يلي من الاسماء والكنى والمفردات:
أولاً: أبو موسى الأشعري: صحابي جليل له فضل على أهل اليمن لما حمله من حفظ وفهم وسياسة في أمور الحياة
خاصةً فقه الأحكام ودلالة أمور الحياة على معطياتها، وكان هذا الصحابي حاكماً صالحاً وقاضياً أميناً جد أمين لعمر بن الخطاب على البصرة .
ولا يكاد يعرف اسمه مع أنه من زعماء السياسة والإدارة والاقتصاد يبين هذا خطاب عمر إليه كما شرحه ابن قيم الجوزية في كتابه (إعلام الموقعين) واسمه عبدالله بن قيس القحطاني اليماني.
ثانياً: أبو عبدالرحمن: إذا اطلقت هذه الكنية فلا معدى من القول إنها ترمي إلى شخصين من عظماء التاريخ
هما: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
والمقصود هنا معاذ بن جبل وكان شاباً سباقاً في عقله على صغر سنه كثير الصمت ذو نظر ثاقب في سياسة الحكم
والتدبير والنظر بعثه النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن حاكماً وقاضياً ومفتياً، ثم بعثه أبو بكر ثم عمر بعد ذلك إلى الشام حاكماً وقاضياً، وساس أهل الشام بسياسة الرفق ومنطق العقل وسلامة النص وقد استفاد منه معاوية وعمر بن عبد العزيز، كما استفاد منه خاصةً في سياسة مطابقة النص للواقع والواقع للنص كثيرٌ من اللذين جاؤوا من بعده. والعودة إلى ترجمته تبين كم لهذا الرجل من قيمة وقدر في موازين الدول والحضارات لاسيما في المواهب العليا التي وظفها النبي-صلى الله عليه وسلم- .
ثالثاً: السيرة: مجمل أخبار القرون المتتالية من حين قيام المؤلف بما ألف ويراد بها: الترجمة لشخص ما أو حال ما من الحالات الموجب تدوينها.
والسيرة يغلب عليها (وهذه مشكلة) المجاملة والمبالغة في الثناء والمدح وهذه وصمة قد تعمي الممدوح عن أمور عظام.
رابعاً: الخبر: الإفادة ما بين تفصيل وإجمال ومن هذا تأتي كلمة الإخبار بكسر الهمزة، وقد يكون هذا صدقاً وقد يكون بخلافه ما لم يعتمد على نسد موثوق عالي الثقة فيلزم منه الصدق حقاً.
وقد يدخل الخبر أخبار التاريخ وأخبار الترجمة شيءٌ من التهويل وهذا من العلل التي توجب القراءة الحرة المتأنية
التي تبين حقيقة ما كان وتم.
خامساً: التاريخ: تدوين الحوادث والأخبار والسير والأماكن على وجه الإجمال، فإن دخلت الهمزة هكذا (تأريخ) فيراد بهذا أخبار وتاريخ الإنسان حياته ما له وما عليه.
والتاريخ له ضابط الصدق والعدل وصحة العلم وسلامة النقل والبعد عن التزلف والثناء المطرد.
وهنا أجلب فائدة جليلة كان قد دونها.. مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبد الحفيظ بن شلبي, وهم من كبار العلماء المحققين وهذا رأيته مدوناً في مقدمة السيرة النبوية، فقد جاء هناك (ولم يكن للعرب قبل مبعث النبي-صلى الله عليه وسلم- من مادة التاريخ إلا ماتوارثوه بالرواية, مما كان شائعاً بينهم من أخبار الجاهلية الأولى, كحديثهم عن آبائهم وأجدادهم, وأنسابهم وما في حياة الآباء والأجداد من قصص, فيها البطولة, وفيها الكرم, وفيها الوفاء, ثم حديثهم عن البيت وزمزم وجرهم, وماكان من أمرها, ثم ما كان من خبر البيوتات التي تناوبت الإمرة على قريش , وما جرى لسد مأرب, وما تبعه من تفرق الناس في البلاد, إلى أمثال هذا مما قامت فيه الذاكرة مقام الكتاب, واللسان مقام القلم, يعى الناس عنه, ويحفظون, ثم يؤدون.
ثم ظهر مورد جديد بظهور النبي-صلى الله عليه وسلم- وظهور دعوته, هي أحاديث الصحابة والتابعين عن ولادته-صلى الله عليه وسلم- وحياته, وماملئت به هذه الحياة من جهاد في سبيل الله, واصطدام مع المشركين, ومن ليس على دينه, ودعوة إلى التوحي, وماكان فيها من أثر للألسنة والسيوف. فهذا وذاك كان مادة للتاريخ أولاً, ثم للسيرة ثانياً: ولم يدون في تاريخ العرب أو السيرة شيء, إلى أن مضت أيام الخلفاء.
سادساً: ذو الخويصرة التميمي: وهذا هو الذي قال اعدل (يامحمد).
سابعاً: ذو الخويصرة اليماني: وهو صحابي جليل قليل الرواية بل لاتكاد تذكر، وقد رأيت خلطاً بين هذا وذاك.
ثامناً: أبو مسلم الخولاني.
تاسعاً: أبو مسلم الخرساني.
والأول: تابعي كبير ثقة, ثبت, حجة روى عنه محدثون وله قصة آية في الإعجاز بينه وبين الأسود العنسي الذي تنبأ في بلاد اليمن.
أما الثاني : فهو الذي جرى بينه وبين المنصور ما جرى في قصة مشهورة.
وإن شاء الله تعالى سوف نضيف جديداً على هذا في توالي المقبلات.