د. صالح بن سعد اللحيدان
سبق القول في عدد سلف ومن قبله أربعة أعداد تترا بينت فيها في تلك الأعداد ما وجب من إيضاح حيال كثير من الأسماء والكنى والألقاب.
وقد لاقيت من جراء ذلك استبشاراً مما وصل إلي من العلماء والمثقفين وكذلك ما شافهني به كثيرٌ من الأصدقاء الذين رأوا أن مثل هذا الطرح سيفتح مجالاً للتفريق بين رجل ورجل من خلال ما يخص كل واحد من لقب أو كنية أو صفة من أجل تنزيل كل حال على وضع حال منسوبة إلى قائلها.
ذلك أن تشابه الكنى وتشابه الأسماء في كثير من أسفار الأولين تجعل بعض الكلام وبعض الآثار والنصوص تنسب إلى غير قائلها.
وهذا طائله يعود بالمضرة على لازم لا يلزم منه مما هو إلا ضربة من ضربات الإيضاح والبيان.
وإذا كان الكلام وإذا كانت الآثار والنصوص وكذلك الحكم والأمثال يجب من باب الأمانة أن تنسب إلى قائلها بضابط السند التام الموصل إلى المتن.
وقد وجدت ولعل غيري وقف على ما وقفت عليه في المطولات من كتب الحديث والأحكام وكذلك تراجم الرجال ومثل ذلك كتب الأدب ومعاجم البلدان أن هناك من الخلط بين اسم واسم وكنية وكنية ولقب ولقب ما موجبه إيضاحه على كل حال.
بل إن منهج البحث العلمي والتأصيل اللغوي الممتد في أعماق العقل المستعد للإدراك هذا كله حثيثاً حثيثاً يدعو أساطين العلم والثقافة والأدب وعلماء اللغة والنحو إلى أن يقفوا على الفرق بين كل كنية وكنية ولقب ولقب واسم واسم.
وأجزم حسب مناقشتي لبعض الرسائل العليا أن هذا من أهم المهام لأنه يدعو إلى إبراز الحق وإعطاء كل ذي حق حقه من درر الآثار والأمثال والأحكام والتقريرات تلك التي تحتاج إليها الأمة حتى تسير هذه الأمة على منهاج واضح فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وإرجاع كل قول إلى قائله وكل رواية إلى راويها حتى من الصحابة وكبار التابعين من الطبقة الثانية إلى طبقة انقطاع الرواية كما ذكر الإمام الرامهرمزي: أن الرواية قد انقطعت في القرن الثالث كما جلبه في سفره الخالد (المحدث الفاصل) في الراوي والسامع, وكنت قد ألمحت إلى هذا في كتابي (كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعليم) في طبعته الثانية التي طبعته دار الوطن بالرياض
وأدلف الآن على حال بين التأني والعجلة وبين النظر والتقرير وبين الأخذ والعطا أدلف إلى مايلي:
أولاً: ابن إسحاق لا يكاد يعرف إلا بابن إسحاق صاحب السيرة المعروف الذي أجاد في رواياته وآثاره وتراجمه، في كتاب السيرة وإنما اسمه محمد ابن إسحاق ابن يسار ابن خيار ويكنى بأبي بكر أو يكنى بأبي عبدالله وعندي الأول أشهر وهو مدني قرشي, ولا يكاد أحد وأجزم بهذا يستغني عن كتابه في السيرة ولا ينظر إلى ما قيل عنه من قبل القرناء.
ثانياً: أبو محمد عبدالملك المعروف بابن هشام وشهرته بابن هشام هي المشهورة وإنما هو عبدالملك ابن هشام ابن أيوب الحميري ويعتبر من العراقيين ومن المصريين في آن وقد لخص سيرة ابن إسحاق تلخيصا طيباً.
ثالثاً: أبو بكر الباقلاني, والباقلاني أكثر من واحد لكن إذا قيلت هذه الكنية فإنما هي تنصرف لمحمد ابن الطيب الذي يعتبر من خواص العلماء والنقاد وكتابه مشهور (مشهور بإعجاز القرآن).
وهو كتاب يتسم بالعمق وقوة المفردات ولست أظن أحدا اليوم في الهيئات العلمية والمجالس العلمية والنوادي الثقافية والأدبية يستغني عنه.
رابعاً: الخطابي -بتشديد الطاء- وقد تأسفت كثيراً في أكثر من مناسبة أنه لا يعرف إلا بالخطابي عند إيراد أقواله الجليلة وعند إيراد آرائه العميقة وإنما هو أحمد ابن محمد الخطابي وكتابه ذائع الصيت ومعروف (بإعجاز القرآن)
خامساً: ابن شريه الجرهمي: سل من شئت وناقش من شئت إلا القليل عن هذا الرجل فلست أظن واقفاً على قدميه يكاد يعرف هذا الرجل بينما هو من مؤسسي علم الأخبار والآثار وإن كان حسب تحليلي النقدي يوجد فيما كتبه بعض ما يحتاج إلى نظر واسمه عبيد ابن شريه الجرهمي، وغالب ما ورد عند ابن إسحاق وغيره ممن جاء بعده إنما أخذوا الغالب عنه وكتاباته في الآثار والأخبار يغلب عليها الجد والبسط العلمي.
سادساً: السهيلي: إمام معروف بأساسيات التدوين والنقد وقوة الملاحظة وقوى الملاحظة مع النزاهة والتريث هي ما أدعو إليه في هذا الحين وسط عجلة الكتابة والتأليف والتحقيق، والسهيلي يكنى بأبي القاسم عبدالرحمن السهيلي، ولعله من أجود من جدد وجود شرح السيرة لابن هشام، ويعرف كتابه (الروض الأنف) بضم الهمزة والراء سيان, ولست أتوقع أحدا إلا والروض الأنف بين يديه في مكتبته حتى ولو كانت محدودة العدد.
سابعاً: أبو ذر الخشني: وهذا من العلماء القلائل على مر القرون فقد رحل كثيراً فكان ذا خلق وسمت ودل، وكان شديد التحري واسمه مصعب ابن محمد ابن مسعود ابن عبدالله الجياني، ويكنى بابن أبي الركب ولا يكاد أحد إلا ويذهب مذهبه لعمق عقله وكثرة تجاربه فيما كتبه خلال العهود المتطاولة,
ولعل الحاجة اليوم تدعو ولا جرم هيئة كبار العلماء والمجالس العلمية ومراكز البحث إلى أن تشكل هذه الجهات مجموعة من خلال لجنة متحدة للقيام بتراجم كثير من الكنى والألقاب والأسماء وما حصل من آثار ومعطيات لئلا يقع الخلط فينسب كل قول أو اجتهاد أو أثر إلى غير قائله.
ومن جهتي فإنني سأقف على ذلك أتطاول على الكتب آخذ منها كثيراً وأدع منها أكثر، أأخذ كثيراً منها مما أراه فيها مما يجب علي نظره وتحقيقه، وأدع تلك الكتب المكررة أو تلك التي تعمل على أساس الخطاب المباشر أو الأسلوب الإنشائي.
ولعلي لي عودة في لاحق يلحق وفي مقبل يقبل وفي تالية تتلى أرى أنه لا بد من إيراد ما يحسن إيراده من مثل هذا لعدم الاستغناء عنه.