فضل بن سعد البوعينين
في بادرة داعمة لأنشطة قطاع «الأسر المنتجة» وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز البنك السعودي للتسليف والادخار بتخصيص مليارَيْ ريال لدعم المشروعات الصغيرة للأسر المحتاجة، ومليار و500 مليون ريال لمشاريع الأسر المنتجة؛ لتمكينهم من شراء المعدات والمواد الأولية والاحتياجات الأخرى، وبدء أنشطتهم التجارية الصغيرة. دعم الأسر المحتاجة والمنتجة يعني اهتماماً خاصاً بتلك الأسر التي تشكِّل مجتمعة قوة إنتاجية، يمكن استثمارها لتحقيق هدف تنمية المجتمع، واستثمار قدراته، ونشر ثقافة الإنتاج، وتحسين الدخل وتوجيهه التوجيه الأمثل نحو تبني مشروعات صغيرة قادرة على توفير مصادر دخل كريمة لأفرادها.
تعتبر الأسر المنتجة جزءاً من مكونات منظومة الإنتاج والعمل التي تهدف الحكومة إلى تأهيلها وتحويلها من أسر متلقية للمساعدات إلى أسر منتجة قادرة على العمل والإبداع وتسويق منتجاتها للحصول على مورد مالي ثابت وأرباح مجزية. باتت الأنشطة التقليدية، ومنها الحرف والأطعمة، سمة بارزة لأعمال غالبية الأسر المنتجة في السعودية، وهو أمر بدأ في التقلص لدى الدول الصناعية التي توسعت في مفهوم الأسر المنتجة حتى وصلت مرحلة الإنتاج الصناعي المتقدم، المعتمد على الآلة والتقنيات الحديثة. ومع وجود الأنشطة التقليدية في الأرياف والقرى تبرز بوضوح نوعية أخرى من الأسر المنتجة التي تخصصت في الصناعات البسيطة، وبحجم إنتاج يتوافق مع قدراتها التشغيلية وملاءتها المالية. فعلى سبيل المثال: تنتشر في بعض الدول الأوروبية صناعات منزلية لبعض المنتجات الحديثة التي تعتمد آلات التصنيع الصغيرة التي يمكن توفير المساحة المناسبة لها في المنازل الصغيرة. وفي الصين والهند تتولى الأسر المنتجة صناعة بعض المنتجات المهمة التي تدخل في بعض الصناعات النوعية. مع مرور الوقت واكتساب الخبرة تحولت الأسر المنتجة إلى معاهد مصغرة، تتولى تدريب أفراد الأسرة، وربما أبناء الأسر المجاورة، ممن يرغبون في الحصول على مورد مالي موازٍ، يساعدهم على العيش الكريم. الدعم السخي الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين يفترض أن يُستغَل من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية والبنك السعودي للتسليف والادخار لبناء مشروعات صغيرة للأسر المحتاجة والمنتجة وفق معايير الإنتاج الحديثة، وبما يساعد على انعتاقها من الخط التقليدي الذي ما زال مهيمناً على أنشطة الأسر المنتجة. استنساخ التجارب المتقدمة في أوروبا والدول الصناعية من أدوات التطوير المهمة والعاجلة. قد تشكل بعض التجارب المحلية رافداً مهماً لتطوير المشروعات الصغيرة وآلية عمل الأسر المنتجة.
في القصيم اطلعت على تجارب رائدة ومتنوعة لدعم الأسر المنتجة، منها تجربة رجل الأعمال عبدالعزيز التويجري الذي أسس منظومة حاضنة لها، وفق آلية عمل وإنتاج منظم، تعتمد الربحية قاعدة لاستمراريتها. بدأت تجربته الثرية بطلب مساعدة مالية، تلقاها من سيدة تعرضت أسرتها لخسائر فادحة، نقلتها من مرحلة الغنى إلى الفقر المدقع. عَرَضَ عليها المساعدة النوعية من خلال العمل، بدلاً من المساعدة المالية المنقطعة، وسألها عما تجيده من أعمال، فكانت الإجابة «الطبخ المنزلي». وهكذا بدأت مرحلة البناء التنموي للأسرة. قَدَّمَ رأس المال، وقامت هي بالعمل، وأصبحت تصنع الأطعمة التقليدية بطريقة احترافية، وتولت مؤسسته التسويق لها محلياً. شيئاً فشيئاً تحول الإنتاج المنزلي إلى خطوط إنتاج متنوعة، وانتقلت السيدة من مرحلة الإنتاج المنزلي إلى إدارة منشأة تجارية، أهَّلتها لتكون من سيدات الأعمال العصاميات. دفعت تلك التجربة الناجحة الأستاذ التويجري إلى مواصلة دعم الأسر المنتجة وفق منظومة عمل تعتمد الإنتاج والربحية أساساً لها، وأقام لمشروعه التنموي وقفاً خيرياً، أسماه «نشمية»، ينفق منه على حاضنة الأسر المنتجة، ويقودها نحو النجاح. منطقة القصيم ثرية بتجاربها الرائدة ومبادراتها الإنسانية المتميزة، ولعلها تكون الشجرة المثمرة لتجارب الأسر المنتجة في المملكة. هناك تنافس خيري محمود بين رجال مال وأعمال القصيم، أسهم بشكل مباشر في تطوير المبادرات التنموية والإنسانية، ونقلها من الأعمال الفردية إلى العمل المؤسسي المنظم. عوداً على بدء، فدعم خادم الحرمين الشريفين السخي للأسر المنتجة والمحتاجة يجب أن يقابله عمل دؤوب من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية، بنك التسليف والادخار، وزارة العمل ووزارة الاقتصاد والتخطيط؛ لبناء منظومة عمل متكاملة للأسر المنتجة وفق الرؤية العالمية التي نجحت في تحويل الإنتاج الأسري التقليدي إلى إنتاج متقدم، يسهم في إثراء قطاع المنشآت الصغيرة، ويدعم الاقتصاد، ويقلص الفقر، ويزيد من دخل الأسر والأفراد، وينشر ثقافة الإنتاج التي بدأت تتلاشى أمام ثقافة الاستهلاك المدمِّرة.