عماد المديفر
كثير منا شاهد مقطع الفيديو الممنتج، والمقطع بعناية، والمجتزأ في 6 دقائق فقط من جلسة استماع أطول من ذلك بكثير، للمجلس الأعلى في الكونجرس الأمريكي، «مجلس الشيوخ»، الذي ناقش فيه السيناتور الديمقراطي البوذي «هانك جونسون» ثلاثة من الشخصيات البارزة المؤثرة التي سبق وعملت في الاستخبارات الأمريكية، والخارجية، والدفاع.. أبرزهم القدير مايكل موريل نائب رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق.. الذي حاول أن يرد على اتهامات السيناتور «هانك» المليئة بالمغالطات.. لكنه للأسف لم يكن مقنعاً..!
ويجب هنا أن نطرح تساؤلاً مهماً: من الذي منّتجه وترّجمه ونشره عبر الإعلام الجديد؟ وماذا كان يستهدف؟
بداية عليَّ هنا أن أذكر بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية التي عمل بها مايكل موريل، هي ربما أكثر من يعرفنا في الولايات المتحدة، وتعدنا حلفاء حقيقيين، أو هكذا يفترض، ورغم ذلك لم يستطع موريل أن يكون مقنعاً في دفاعه!
كما أشدد وأكرر ما سبق وذكرته بأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، وأن صناعة القرار فيها يسهم فيها عدة مراكز قوى.. تتشارك في «المطبخ السياسي» الأمريكي.. على رأسها البيت الأبيض، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارات الخارجية، والدفاع، والداخلية، والأمن القومي، والكونغرس بمجلسيه «الشيوخ، والنواب»، والمباحث الفيدرالية، ثم مراكز الأبحاث والدراسات، ووسائل الإعلام، وقادة الرأي، واللوبيات، وأصحاب المصالح من مصانع وشركات كبرى ورجال أعمال أثرياء وغيرهم.. وبالتالي فإنَّ إمكانية التأثير على مراكز صنع القرار الأمريكي متاحة أمام الجميع وليست حكراً على أحد.
ويتفق الكثير على أن المصالح والأفكار والمعتقدات والتصورات هي من يقود المشهد الأمريكي، وأن العقيدة السياسية الأمريكية قائمة على البراغماتية المصلحية الموضوعية المنطقية بالدرجة الأولى.. وهي تجسيد للفكر الواقعي الرأسمالي.
والحقيقة التي علينا مواجهتها هي أنه يوجد اعتقاد خاطئ، لكنه مستقر، في أوساط مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، ولو بدرجات متفاوتة، على وجود شيء في الإسلام يدعى «الوهابية».. وأنها على حد زعمهم الخاطئ «مذهب متشدد من مذاهب «السلفية».. التي يعدّونها «تمثل أحد أشد التفسيرات السنية تطرفاً للإسلام» وليس ذلك فحسب.. بل يَرَوْن أن «التنظيمات الإرهابية السنية تخرج من ذات المنطلقات والمفاهيم»..!
الموضوع ليس موضوع تآمر غربي.. أبداً.. بل تقصير حقيقي منا في مواجهة مخططات وتحركات تنظيمات الإسلام السياسي وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، واتباع الولي الفقيه في طهران، وبالتعاون مع جهات استخباراتية معادية، والذين نجحوا في الوصول إلى مراكز التأثير في صناعة الرأي والفكر، وتشويه الحقائق، وخلط المفاهيم، لما يحقق مصالحهم في استهداف مصالحنا العليا كوننا نمثل حاجز الصد الحقيقي أمام نشر أهدافهم التخريبية الشيطانية الشريرة.
سبق أن قلت إن هذا الأمر متوقع.. ولو كان لدينا مراكز تابعة للمملكة لرصد وتحليل ودراسة الرأي العام ورأي مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة؛ لاستشرفت هذا الموضوع مبكراً، ودفعت بالمبادرة إلى تداركه.
وقد كنت ضمن من استشرف الوصول لهذا الوضع غير الجيد - الذي ربما قد يتطور لما هو أسوأ، ما لم نتحرك بشكل مخطط، مبني على دراسات موضوعية، تجعل من هذه التحركات أكثر فاعلية وحكمة - وذلك منذ مدة ليست بالقصيرة، من خلال رصدي غير العشوائي، لما ينتج من دراسات وأبحاث وكتب بل وحتى مقالات صحفية وبرامج تلفزيونية تخاطب الرأيين العام والخاص في الغرب والشرق. وتحدثت عن ذلك حين سنحت لي الفرصة في مقالة قبل ثلاث سنوات تقريبا - مقالة «دبلوماسية الفكر والأيدلوجيا» - وكررت ذلك عدة مرات.. آخرها مقالة لي هنا قبل شهرين تقريبا حملت عنوان «خطر أعظم من الإرهاب.. يهددنا في المملكة».. وسعى من سعى للتقليل من الحقائق التي طرحتها المقالة، لأنّها باختصار كشفت ما يقوم به تيار خطير متغلغل بيننا يستهدف وسمنا بالإرهاب - المقالة متاحة على موقع صحيفة الجزيرة الإلكتروني - ويحاول حالياً أن يسوق لفكرة المؤامرة بين الغرب والشرق وإيران وإسرائيل ضدنا.. وهو كلام يُراد منه بخبث عزلنا عن حلفائنا.. وعن العالم.. لنبدوا كما لو كنّا وحدنا في مواجهة العالم.. ليسهل حينها أيضاً ربطنا وربط عقيدتنا بالتوجهات والتنظيمات المتطرفة!.
لذلك ينبغي ألا ننساق وراء هذه الأفكار التي أوجدتها مراكز أبحاث، أو باحثون على صلة بطهران.. كما هو كتاب: «حلف المصالح المشتركة» لتريتا فارسي.. وهي ذات الفكرة التي يروجها بل ويسعى لها بشكل متواز ومزدوج منذ القدم، تنظيم الإخوان المسلمين.. وذلك على خطين متوازيين.. خط خارجي يدعي الاعتدال والانفتاح والوسطية ويردد أن «داعش نبتة سلفية».. وخط داخلي متستر بالسلفية ونهج السلف منهم براء، يشتهرون بـ «السرورية».. يرسخون للتطرف والتحريض على الكراهية والطائفية والإرهاب ويغذون التنظيمات الإرهابية كالقاعدة بالأفكار والشباب المغرر بهم، وليكملوا ما يسعى له نظام الملالي في طهران.
ألم تعلموا بعد من منتج وترجم مقطع الفيديو المذكور أعلاه؟ وماذا كان يستهدف..؟! ألم أحدثكم عن هذا الخطر من قبل؟! ألقاكم الأسبوع القادم.. فإلى اللقاء.