عماد المديفر
أضحت إيران اليوم، بلا مواربة، مصدراً لزعزعة الأمن والاستقرار وتصدير الإرهاب في المنطقة، بل وفي العالمين العربي والإسلامي، وهو ما ينعكس سلباً بكل تأكيد على الأمن والسلم الدوليين
.. ويرى مراقبون بأن الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات الدولية التدريجي عنها، ربما أعطى نظام «الولي الإلهي الفقيه» رسالة خاطئة، فهم منها إطلاق يده لمباشرة تصدير ثورته ومد نفوذه والعبث بأمن المنطقة..!
أن تكون إيران مصدراً للإرهاب وزعزعة الأمن والسلم الدوليين فهذا الأمر ليس بجديد، خاصة إذا ما علمنا أن «مبدأ تصدير الثورة» هو مبدأ أصيل قامت عليه دولة ثورة الملالي، واعتمدته كأساس لسياستها الخارجية، وهو يعني أن تلجأ إلى جميع السبل المتاحة لنشر عقيدتها وفكرها القائم على إذعان العالم الإسلامي لسلطة «الولي الفقيه»، معتبرة أن الشعوب المسلمة متعطشة لهذه الثورة، كونها ثورة تمثل «دولة الإسلام» بزعمهم وما سواها هو «الكفر» المحض.. و»الاستكبار»، و»الطغيان».. يقول محمد خاتمي: « والإسلام الذي بقي في الأذهان قروناً عديدة بهيئة مجموعة من الأفكار والقيم، نزل اليوم ببركة الثورة الإسلامية إلى الميدان لإدارة الحياة وتأسيس النظام، وأقام دولة الإسلام»..!
ولكي نعرف حقيقة أطماع وطموحات النظام الرجعي في طهران.. فلنستذكر معاً قول الخميني إبان نجاح «الثورة» في الاستيلاء على السلطة بأن: « العرب حكموا الأمة الإسلامية لعدة قرون كما حكمها الأتراك لقرون أخرى، وأنه آن الأوان ليحكمها الفرس»..!
إن عقيدة نظام الحكم في طهران قائمة على الإيمان بأن «تصدير الثورة» واجب إلهي مقدس، يحتم قتال حكام المسلمين بوصفهم «المستكبرين» و»الطغاة» الذين يحولون دون وصول «أنوار هذه الثورة» إلى المسلمين المستضعفين من شعوبهم! على حد زعمهم.. ولذا سخّر هذا النظام، ومنذ قيامه، جل طاقاته للعمل وفق هذا المبدأ..
إلا أنه بعد هزيمته في حربه مع العراق، توقف عن أسلوب المواجهة التقليدي ضد دول الجوار.. وبدأ باستخدام «الغزو الناعم»، وتأسيس تنظيمات وميليشيات وعصابات إرهابية من نفس مكون هذا البلد المستهدف، أو ذاك، مجنداً إياهم عن طريق زرع الإيمان بفكرة «ولاية الفقيه» في قلوب العناصر والفئات المستهدفة.. ثم ليوظفهم لتحقيق مبتغاه، وليهدم بهم ومن خلالهم الدول العربية والإسلامية، من داخلها، وبأيدي أبنائها الذين جرى تجنيدهم.. ولم يتوقف الأمر عند مجرد إنشاء ميليشيات شيعية مؤمنة بولاية الفقيه، ومنخرطة في مشروعه التوسعي، بل قام هذا النظام أيضاً بمد يده لدعم جميع الحركات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، كالقاعدة وداعش وتنظيم الإخوان المسلمين وغيرهم.. تحت بند «نصرة المستضعفين».. كيف لا وهم يخرجون من ذات المشكاة، ويفكرون بذات الطريقة، ويستهدفون ذات الغاية.
إننا ومنذ انتشار راديكاليات الإسلام السياسي في المنطقة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وتحديداً منذ صعود ثورة الخميني التكفيرية، التي تكفر جميع البشر دون استثناء، والتي تنص أصول عقيدتها على أن «مَن أنكر إمامة أحد الأئمة (الإثنى عشر) .. فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار»، ونحن نعيش على صفيح ساخن، وحالة من عدم الاستقرار في المنطقة.. وهذا ليس بمستغرب، خاصة إذا ما علمنا أن ثورة «الخميني» ما هي إلا فرعٌ لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي التكفيري.. لكن بنسخته الشيعية، هذه معلومات وحقائق ينبغي علينا قراءتها بشكل صحيح لنستوعب ما نحن عليه الآن.. ولنعد بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً.. إلى الأب الروحي للثورة الإيرانية: «مجتبى مير لوحي» والمشهور باسمه الحركي «محمد نواب الصفوي» .. حيث تم تجنيد هذا الشاب الأصفهاني الطموح العاشق لـفن «التمثيل» والعامل في شركة النفط «الإنجلو - إيرانية»، ليختفي عن أقرانه ومجتمعه فترة من الزمن، قيل إنه توجه فيها للغرب، ومر بالقدس التي كانت تلك الفترة لا تزال تحت الانتداب الإنجليزي، حيث باشر يهود تأسيس نواة دولتهم الصهيونية، ثم ليعاود الظهور باسم جديد، وبهيئة جديدة، ومال كثير، إنه «الملا محمد نواب الصفوي»، الأب الروحي - رسمياً - لـ «الثورة الإسلامية في إيران» ولنظام «الخميني»، وهو الصديق الحميم لشيخ إرهابيي هذا العصر «سيد قطب»، وهو القائل: « من أراد أن يكون جعفريّا حقيقياً فلينضم إلى الإخوان المسلمين» .. لقد عاد من الغرب لإيران ليعيب على الشيعة سلميتهم، يعيب «مظلوميتهم»، ويعيب «الانتظار» لحين خروج «المهدي المنتظر»، ويعيب على علماء الشيعة «اعتزال السياسة»، ويدعو إلى دخولهم بقوة لمعترك السياسة، و»مجابهة الطغاة»، و»الحكم»، إنه «الإسلام السياسي»، إنها الراديكالية السياسية الإسلامية الحديثة، إنها «الصحوة الإسلامية»، إنها «الثورة الإسلامية ضد الطواغيت»..!
ومن هنا تحديداً أصبحت المنطقة في وضع غير مستقر أمنياً، حيث ينص الدستور في «إيران» على مبدأ «تصدير الثورة الإسلامية» وهو ذات فكر «الإخوان المسلمين» .. وقد بدأت هذه القلاقل بالظهور بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية، وهي في الواقع حرب لـ «تصدير الثورة»، إلى ما وصلنا إليه اليوم.. وضمن هذا السياق نستطيع فهم ترجمة الخامنئي «المرشد الأعلى الحالي لإيران» كتباً عديدة لسيد قطب للغة الفارسية من أبرزها كتاب « المستقبل لهذا الدين» وبمقدمة هذا الكتاب وصف الخميني سيد قطب بالمفكر المجاهد.. كما أن أول طائرة هبطت في مطار طهران بعد نجاح ثورة «الخميني» كانت طائرة تحمل قيادات من التنظيم الدولى لجماعة «الإخوان» جاؤوا مهللين، ومباركين لما أسموه «انتصار الثورة الإسلامية»، وأمر مرشد الثورة الإسلامية بإصدار طوابع بريد تحمل صور حسن البنا وسيد قطب كنوع من العرفان لهم، وشجع هذا النظام فيما بعد لعملية اغتيال الرئيس المصري «أنور السادات» عليه رحمة الله.. حتى خصص شارع باسم الإرهابي «خالد الإسلامبولي» الذي ارتكب عملية الاغتيال الغادرة هذه.
وقبل ذلك، كان قد شجع وساند وصفق لعملية احتلال الحرم المكي الشريف من «جهيمان» وجماعته.. وتمر الأعوام ويأتي الجمعة 4 فبراير 2011م ليعتلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي علي خامئني منبر الصلاة ويخطب باللغة العربية، ويخصص كل حديثه لأبناء جماعة «الإخوان» في مصر وتونس وباقي بلاد العرب ويطالبهم بأن يعتلوا الحكم في بلادهم..