عماد المديفر
كمية تقارير هائلة تلك التي تناولت المملكة والصادرة من وسائل إعلام دولية، ومنظمات حقوقية متنوعة.. تكاد تحطم الرقم القياسي، إذ لم يسبق أن جرى تكرار ترديد اسم المملكة وخصها بتقارير إعلامية دولية موسعة عبر الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية خلال فترة زمنية قصيرة كما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية..
ولأكن صادقاً وشفافاً.. صحيح أن هذه الحملة الإعلامية الشرسة ليست وليدة اللحظة.. وأنها أتت في ظل تصعيد إعلامي متدرج ابتدأ منذ اليوم الأول الذي باشرت فيه المملكة بالمساهمة بفاعلية مع أهلنا في البحرين ومصر وسوريا واليمن وغيرها من البلدان العربية، بمكافحة الشر والإرهاب والفتنة والفوضى التي تستهدف الوطن العربي بل والعالم الإسلامي برمته وتعطيل السعي الحثيث لربط العرب والمسلمين بالإرهاب والتخلف والجهل.. إلا أن هذا الوضع في التناول الإعلامي الدولي يعكس -رغم بعض الجهود الفردية المشكورة هنا أو هناك- حالة غير مريحة تسترعي انتباهنا، وتجعلنا نلتفت أكثر لعملية تعاطينا الإعلامي مع قضايانا الوطنية والإقليمية، وشرح سياساتنا الداخلية والخارجية، وإيصال وجهة نظرنا لشعوب العالم، ولاسيما في ظل اهتمام أعداء المملكة القوي بالإعلام، والاستثمار الذكي فيه.. وهذا بالتأكيد ما لا يتحمله الإعلام السعودي، أو الإعلاميون وحدهم.. بل نتشارك جميعاً في مسؤوليته.. بدءاً من مجلس الشؤون السياسية والأمنية بكافة الوزارات والجهات الممثلة فيه.. مروراً بالمواطن السعودي الواعي.. إلى أصغر موظف في وزارات الإعلام والداخلية والخارجية والعدل والتعليم ورعاية الشباب والشؤون الإسلامية، والحج..
لذا يجب علينا الاعتراف بهذه الوضعية غير المريحة، والصورة الذهنية المتشكلة جراء ذلك عبر وسائل الإعلام الغربية تحديداً، ومواجهتها، والتعامل معها.. فلا مجال للمجاملات إذا ما أصبح الموضوع كما هو عليه الآن.. ويمس مباشرة «الهوية» الإسلامية والعربية.. والتي تشكل في حقيقتها جزءا لا يتجزأ من مصالحنا الوطنية العليا، كالأرض والشعب والبقاء.. والتي أطلق عليها علماء السياسة صفة «العليا» لكون الدولة تتزعزع أو تنهار إن هي فقدتها، ولأنها هي ما يشغل فكر المسؤولين على مدار الساعة، والدولة لن تتردد للدخول في حرب لضمانها وتأمينها وحمايتها.. إلا أنها هذه المرة تأخذ طابع المواجهة الإعلامية.. والذي يمثل اليوم السلاح الأقوى في العالم.. والذي لا زلنا مطالبين بإعطائه ما يستحقه من الدعم والرعاية والاهتمام.. والرفع من كفاءة توظيف هذا السلاح العظيم الفاعلية الذي تفوق فاعليته وسائل القوى الصلبة.. العسكرية والاقتصادية.
هذا القول ليس محض رأي شخصي؛ إذ يتفق معي العديد من الإعلاميين والسياسيين والباحثين بأن الفترة الماضية كشفت، دون مواربة، أن أداءنا في الاتصال مع الرأي العام الدولي، وان كان في تطور وتقدم مستمر، إلا أنه لا يزال أقل مما يجب أن يكون عليه.. خاصة وأننا اليوم نعيش بروزاً غير مسبوق لقوة الرأي العام، وأثر ذلك القوي والمباشر على سياسات تعاطي الدول فيما بينها، وأن للأمم والدول صوراً ذهنية، وأن العلاقات ما بين الدول دائماً ما كانت تتشكل بناءً على هذه الصور، وهو ما أكدته دراسات علمية عديدة، كان آخرها عربياً دراسة لي تناولت فيها «الدبلوماسية الشعبية في عصر الإنترنت»، وكنت قد أبرزت خلالها قول الدكتور «جين وانج» في دراسته المعنونة بـ»إدارة السمعة الوطنية والعلاقات الدولية في عصر العولمة: إعادة النظر في الدبلوماسية الشعبية «العامة»، والذي ذكر فيها أن «للسمعة الوطنية تأثيرها الفعال في المعاملات الدولية»، مستشهداً بقول «جيرفز» بأن استخدام الصورة أو السمعة أعظم من استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، ولهذا يذكر «جوزيف ناي» مصطلحه الشهير «القوة الناعمة» الذي وسع من دائرة النقاش حول تصنيفات القوة الدولية التي كانت مطروحة في السابق، والمتضمنة القوة العسكرية، والاقتصادية، لتضاف إليها قوة العبور للرأي العام.
وسبق أن طرحت هنا في هذه الصحيفة العريقة، وفي غيرها أهمية العمل على إنشاء هيئة أو وكالة أو رئاسة عامة للدبلوماسية الشعبية «الدبلوماسية العامة»، تكون متصلة مباشرة بمجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومن الممكن أن تُضم كوكالة داخل وزارة الخارجية لأغراض لوجستية، وأن الوضع اليوم أضحى أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.. ويكون من مهامها أيضاً، وبالإضافة إلى شرح قضايانا؛ دعم تواجد السعوديين كمستثمرين في العديد من الدول، وإنشاء استثمارات تجارية أهلية في الدول المختلفة، تدر دخلاً، ومن هذا الدخل يعيش ويتواجد سعوديون هناك، ومنه يُنشؤون مراكز دراسات وأبحاث متخصصة في شؤون منطقة الشرق الأوسط بلغة أهل البلد المتواجدين فيه وبشراكة معهم، وتُدرس العلاقات البينية بين هذه الدولة، أو تلك، وبين المملكة، ويخرجون بدراسات علمية متتابعة، ويتواصلون مع وسائل الإعلام في تلك الدول، ومراكز صنع القرار فيها، ويقدمون استشاراتهم، ويبرزون أهمية تطوير العلاقات البينية لما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين، وسبل هذا التطوير.. وتدخل في شراكات مع الجامعات والقطاعات التجارية والاستثمارية والثقافية والحكومية في هذا البلد أو ذاك.. ولتكون جسراً بين المملكة والشعوب في تلك الدول، وتسهم في تعميق فهم متبادل للقيم والسياسات، وتصرف على نفسها بنفسها، بعد دعم حكومي في البداية لتقف على قدميها، ثم تنطلق لتضطلع بمسؤوليتها وتحت إشراف ومسؤولية ودعم من «الرئاسة العامة للدبلوماسية الشعبية» أو أياً يكن المسمى، ووفق خطط مدروسة، ومتابعة متواصلة، وليس عملاً ارتجالياً..ربما تكون آثاره السلبية أكثر من إيجابياته.. إلى اللقاء.