د. خيرية السقاف
في خضم هذا الكم الهائل مما ينشر في وسائل الإعلام، وهذا التدفق المتسارع لما يكتب فيها، قد يحدث أنك تقرأ لكاتب ما بصفة دائمة؛ تعجبك أفكاره؛ فتتابعه، وما تلبث أن تقف:
هذا الذي يقول اليوم قد سبق أن قرأته، أحس به في ذاكرتي، أو بشيء منه قد احتفظت به هذه الذاكرة، لكن لا عليك؛ فقد بات الوصول إلى الحقيقة اليوم ميسوراً، وما عليك إلا أن تذهب إلى وسائله. تضع السطور المحور في وسيلة البحث، ثم تتمنى أن ذاكرتك تخونك؛ فأنت ترفض أن تكتشف ما لا يرضيك، أو ما يفقدك الثقة في كاتبك..!!
لكن تخيل أن الطامة الكبرى حين تجد المؤشر يعود بك إلى كتابات سابقة لكاتبك العزيز..
حين تجد أن هذه هي السطور التي خاتلتك بتشابهها، وأوجست فيك قلقك، بلحمها وشحمها، قد كتبها ذاته قبل سنوات مضت، وتقادمت..!!
وتخيل أن الأكثر صدمة لك حين تكون قد نُشرت أكثر من مرة.
لحظتها قد تبدأ في العد، كم مرة أعاد كاتبك نشر كتاباته ذاتها؟..
وقد تذهب تتساءل: أهذا ذكاء منه، أم هو إمعان في قناعته بحقه فيما يكتب، وأن ليس لأحد أن يتدخل في كم مرة يعيد نشر ما يخصه من كلام، وما إذا كانت قوانين النشر أو أعرافه تقر له هذا، لكنك لن تحسب هذا أمراً معقولاً البتة..!!
ثم قد تمتد بك التساؤلات عن مدى لياقة هذا السلوك منه وهو يتقاضى مقابلاً مالياً في كل مرة يعيد فيها نشر ما كتب، وإن فعل فقدَّم أو أخَّر في سطوره، أو حذف وأضاف منها، وإليها، أو غيَّر في الصياغة من الأسماء للأفعال من جُمَله؛ لأنك ستتخيله إن فعل ذلك فهو ذكي..
لكنك في ضوء متاحات البحث الحديثة ستكون متأكداً من ذكائها الأكثر حين تكون ذاكرتك الأصدق.
عندها في النهاية قد تصل إلى التفكير في أي الصفات يمكن أن توسم بها كاتبك هذا؟
وقد يسقط في يدك؛ فأنت لا تجد سمة له غير «السارق نفسه»..
ثم لا ينتهي عندك الأمر، بل قد تذهب بهذه المفاجأة الصادمة لتسأل من هم السارقون أنفسهم من الكتّاب، في مجتمع الإعلام بشكل عام الذين يختصرون على أنفسهم الجهد، والتفكير، فيعودون لقوائم ما نشروا سابقاً يكررون نشره في غفلة عن قرائهم، وربما عن صحفهم..
ولا يكتشفهم أحد إلا أن تقوده الصدفة، أو شرارة في الذاكرة، فيذهب مندهشاً:
هذا الذي أقرأ، كنت قد قرأته من قبل..!!