أ. د.عثمان بن صالح العامر
يتساءل البعض في نفسه أو حتى بمجمع من الناس قليلاً كان أو كثيراً: ترى كيف ستكون مضامين الخطاب الإصلاحي لمن تسربلوا بالفكر الإرهابي من أخمص أقدامهم حتى مفارق رؤوسهم؟ خاصة أن من انبرى لهذا الخطاب وحمل همّ الإصلاح وزارة الداخلية ممثلة بالإدارة العامة للمباحث، من خلال مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية؟ كيف سيكون منهج هذا الصرح الفكري المختص الذي اختار أن «يعالج الفكر بالفكر»؟ كيف له أن يصبح أنموذجاً فريداً في العالم بأسره في رؤيته ورسالته وأهدافه ومضامين برامجه ومخرجاته كما تريد قيادة بلادنا الحكيمة أن يكون؟ ومع أنني سبق وأن كتبت هنا مقالاً عنونته بـ«الداخلية والفكر»، ورددت في آخر على ما قاله عبد الرحمن المحمود -الكاتب المعروف- في جريدة الرياض عن «لجان المناصحة» التابعة لوزارة الداخلية، وعرّجت في ثالث ورابع وخامس على جهود سمو وزير الداخلية الشخصية والرسمية في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف، ولكن كل هذا قبل أن أتشرف بزيارة مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية في العاصمة الرياض، وكما قيل: «ليس مَن رأى كمن سمع».
لقد تشرفت الأربعاء الماضي 8-5-1437 هـ بزيارة المركز ضمن وفد جامعة حائل في معية معالي مديرها أ.د. خليل بن إبراهيم البراهيم، ومع أن إنجاز ما يربو على العشر السنوات لا يمكن بحال أن نطلع عليه في ساعات من نهار، ومع أن ما اطلعنا على شيء منه لا يمكن أن يحويه مقال أو مقالان، فإنني هنا أسجل مزايا عشراً تفرد بها هذا الصرح التربوي العالمي الفريد، هي بإيجاز:
* قدرة إدارة المركز واللجنة الاستشارية المصطفاة على إعادة الروح لكثير من مصطلحات تراثنا الفقهي وموروثنا العلمي، وعدم اجترار واجتلاب مصطلحات غربية مستهلكة كما هو ديدن كثير من مؤسسات الإصلاح في عالمنا العربي والإسلامي؛ فـ»المناصحة، والإصلاح، والرعاية، والمستفيد»، وغيرها كثير مصطلحات أصيلة مسكوكة داخل أروقة هذا المركز الفريد.
* ارتكاز أعمال المركز وبناء إستراتيجيته الشاملة والمتكاملة على أسس دينية ثابتة، وتوجيهات قيادية حكيمة، ورؤية إنسانية أصيلة، وهمّ وطني مشترك، وعقل متّقد يقظ، وصياغة مفردات برامجه وتوجهاته بلغة عصرية متميزة، وأسلوب تربوي فريد، ومنهجية علمية فذَّة، وعلى يد مختصين تم اختيارهم بعناية فائقة.
* اختيار كفاءات علمية وقدرات أكاديمية متخصصة للاستشارة والمشاركة في البناء والتقويم والمراجعة، فالمركز في كل أعماله يعتمد بشكل كامل على الشباب السعودي السليم فكرياً والمتخصص علمياً والمؤهل مهارياً، سواء كان هذا المختص أستاذاً في العلوم الشرعية أو النفسية أو الاجتماعية أو غيرها من العلوم الإنسانية.
* انضواء جميع الوزارات ذات الصلة برسالة المركز في المجلس الأعلى للمركز الذي يترأسه صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ويضم في عضويته سماحة مفتي المملكة.
* تشخيص للداء متميز، ومن ثم بدء مراحل العلاج بشكل متدرج ومتكامل حتى تتحقق الثمرة التي يتطلع لها الكل.
* وجود مركز للقياس متخصص بدراسة سلوك الموقوف، ويتنبأ بما سيكون عليه من حال من خلال خمسة وأربعين «45» معياراً علمياً دقيقًا.
* التدرج من المناصحة سواء الفردية منها أو الجماعية للتأهيل والتدريب، من أجل تنمية القدرات والمهارات وتصحيح الرؤى والمعارف والخبرات «شرعياً ونفسياً واجتماعياً وتاريخياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً ورياضياً، فضلاً عن العلاج بالفن التشكيلي» وصولاً للرعاية اللاحقة التي تضمن للمستفيد التكيف والاندماج في المجتمع الجديد بعد خروجه من أروقة المركز وأسواره.
* الوعي الكامل من قبل إدارة المركز بمراحل تطور الفكر الإرهابي المتطرف، والإدراك العميق للاختلاف بين ما كان وما هو عليه الحال اليوم وما قد يكون في المستقبل القريب منا والبعيد، جراء تأزم الوضع في مناطق الصراع ودخول أطراف جديدة في اللعبة العالمية، وتوظيف الإعلام الجديد من قبل جماعات العنف بشكل أكثر احترافية واقتدارًا، فضلاً عن أن التعامل مع الفكر وتغيير القناعات ليس بالأمر السهل اليسير كما يظن البعض من المنظّرين.
* التكامل والشمول في البرامج المقدمة للمستفيد، والتي جميعها اختيارية ولا يُجبر أحد من المستفيدين على مَنشط لا يرغب ممارسته أو الاستفادة منه.
* مدّ جسور التواصل مع أسرة المستفيد والمجتمع القريب منه لتهيئتهم نفسياً واجتماعياً وذهنياً لاستقباله وحسن التعامل معه بعد خروجه، والمشاركة في حل مشكلاتهم مادية كانت أو علاجية أو سكنية أو أسرية إن كان هناك ما يعيق تحقيق الهدف الذي يتوق المركز لتحقيقه، المتمثل في ضمان استمرار استقامة المستفيد على المنهج السلفي الوسطي الصحيح، وعودته للحياة الطبيعية بكل يسر وسهولة، وانخراطه في المجتمع، وكسب رزقه بيده، وجعله عضواً إيجابياً مشاركاً في بناء لَبِنات الوطن التنموية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وللحديث بقية بإذن الله وإلى لقاء والسلام.