د. أحمد الفراج
حفل الأسبوعان الماضيان بأحداث كبيرة، أصبحت حديث المجتمع، وليس دوري هنا هو التعليق عليها، أو الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، فقد أشبعت الأحداث بحثاً وتنقيباً، وانتهى الأمر، كالعادة، إلى صراع تافه، يقوده من يفترض أنهم أحرص الناس على حماية الأمن والسلم الاجتماعي.
ففي عالم تويتر، دشن أحدهم وسماً تحريضياً، أعلن فيه الحرب على الإعلام الحكومي، ورموزه، من مثقفين وكتّاب رأي وصحفيين، ولم يقصر هو ذاته بالشحن والتأليب، ولأنه آخر من يتعلم من أخطائه التي لا تحصى، فقد فات عليه أن من يدخل يده في جحر الثعبان، فإنه لابد أن ينال من السم، إذ انبرى له مجموعة من المتطوعين، نبشوا في أرشيفه المليء بكل ما لا يسر، من تجاوزات باطلة بحق بلده، مروراً بمخالفاته للنظام، ونهاية بالكذب البواح، والذي تم توثيقه، ونشره صوتاً وصورة، ولأن مثل هذه الأعمال منظمة، كعادة المتحزبين في التنظيمات المسيسة، فقد أصبحت هذه المعركة المفتعلة هي القضية، ونسي الناس القضية الأساس، والتي يقال إن من أشعل هذه المعركة التافهة كان من أركانها، وذلك من باب التغطية والتمويه.
المؤلم في الأمر هو أن هذه المعارك التافهة لم تقتصر على السوشال ميديا، بل إن بعض المتحزبين نقلوها إلى دور العبادة، إذ انتشرت مقاطع صوتية لخطباء جمعة رسميين، وهم يدعون بالويل والثبور على خصومهم من الإعلاميين!!، أي أن المسجد الذي يقصده المتعبدون للصلاة والدعاء، طلباً للراحة والطمأنينة، تحول بفضل دعاة الفتنة إلى مكان للتحريض على العنف، ولتصفية الحسابات الشخصية والحزبية، وهذا مبدأ خطر، ما لم يؤخذ على أيدي هؤلاء السفهاء، فالتحريض على أي فئة، أو شخص، من على منبر المسجد، يجب أن يكون خطاً أحمر، فمثل هذا قد يفهم من قبل بعض المغرر بهم على أنه الرأي الشرعي المعتبر، بينما هو، في حقيقته، رأي شخص متطرف ينتصر لحزبه وجماعته، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، ومع أن مثل هذا الأمر له سوابق تاريخية، إلا أنه عاد بقوة مؤخراً، وبشكل عدائي لم يسبق له مثيل.
لقد حان الوقت للجم دعاة الفتنة أياً كانوا، وهم معروفون، ففي ظل التحديات الحالية، فإن آخر ما يريده الجميع هو شق الصف الداخلي بمعارك مفتعلة، بل وتافهة، ولا أظن أن هناك ما هو أخطر من استخدام بعض السفهاء لشعبيتهم، وذلك للتحريض، والاستعداء، والحط من قيمة الأعلام الوطني، ورموزه، خصوصاً وأن هذا الأعلام يعتبر هو المساند الأكبر لجنودنا المقاتلين في الجبهات، ولو أسأنا الظن لقلنا إن هذه الحرب المفتعلة ضد الأعلام الوطني هدفها الحقيقي هو اشغال الأعلاميين عن القيام بمهامهم الوطنية، وأيا يكن الأمر، فإن الأمر يستوجب وقفة رسمية صارمة ضد كل من يفتعل المعارك الداخلية بهدف التحريض، والاستعداء، وزعزعة السلم الاجتماعي، فالخطب أعمق من هذا بكثير، وسنتفاءل بأن هذا ما سيحدث -بإذن الله-.