د. أحمد الفراج
لا يمكن التصديق بأن شخصا يسكن في مدينة نيويورك، العالمية الشهيرة، ويكون عنصريا، إذ إن من يزور هذه المدينة المذهلة، يرى كل ما لا يخطر على البال، فهي نسخة للعالم، نتيجة تنوعها السكاني والديني والثقافي، وقد نالت هذا الشرف، لأنها بوابة العالم الجديد، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ولد المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، في هذه المدينة المسترخية على ضفة الأطلسي، فمن أين، يا ترى، ورث قيم العنصرية القميئة؟!، وهنا لا بد أن نشير إلى أن والده، فريد ترمب، تاجر العقار المعروف، كان قد اتهم رسميا بأنه يمنع تأجير السود في بناياته السكنية، وقد رفع عليه قسم الحقوق المدنية بوزارة العدل الأمريكية قضية بهذا الخصوص، بل إنه قد تم إجباره على أن يبلغ الجهات الرسمية عن كمية المساكن الشاغرة، ليتسنى للسلطات تأجيرها لمن يرغب من الأقليات، وذلك نتيجة لعدم الثقة بأن يقوم هو بتأجيرها بنفسه لهم، وقد تأكد للسلطات هذا الأمر، عندما قامت باختبار تجريبي، إذ أرسلت شخصا أبيض، وآخر أسود لطلب إيجار وحدات سكنية من مكاتب فريد ترمب، والد دونالد، فتم تأجير الأبيض، وتم إخبار الأسود بأن لا يوجد أماكن شاغرة للتأجير!.
قبل ذلك بفترة طويلة، كان فريد ترمب، والد المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، قد اعتقل بتهمة المشاركة مع منظمة كلو كلس كلان العنصرية في إثارة الشغب، ومهاجمة مركز للشرطة، والكلو كلس كلان هي أخطر منظمة عنصرية في الولايات المتحدة، كانت قد تأسست بعد إلغاء الرق على يد الرئيس التاريخي، أبراهام لينكولن، في نهاية القرن التاسع عشر، وتخصصت بمهاجمة وترويع السود، وقتلهم إن لزم الأمر، وارتكبت من الجرائم ما لا يحصى، خصوصا قبل أن يتم إقرار قانون الحقوق المدنية، على يد الرئيس ليندون جانسون، في ستينات القرن الماضي، وللعلم، فلا تزال هذه المنظمة قائمة حتى يومنا هذا، وإن كان نشاطها قد خف خلال العقود الأخيرة، وهنا بإمكاننا أن نتوقع شكل الأفكار التي تربى المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، عليها، فهو قد تربى في كنف هذا الوالد «العنصري»، ونعلم مقدار الأثر الذي تتركه مثل هذه التربية على الفتى الناشئ، والجدير بالذكر هو أن جد المرشح دونالد ترمب هو مهاجر من ألمانيا، قدم إلى أرض الميعاد في العالم الجديد، وإلى مدينة نيويورك تحديدا، في منتصف القرن الثامن عشر، وذلك لتحسين أحواله المادية، ثم مارس عددا من الأعمال التجارية، وأصبح ثرياً مرموقاً.
يتضح مما سبق أن دونالد ترمب ورث المال والعنصرية من والده، وربما أيضا، من جده المهاجر الألماني، والعنصرية داء مزمن، مثلها مثل التطرف الديني، وبالتالي لم يستطع المرشح دونالد ترمب التخلص من هذا الداء، رغم إقامته في مدينة تعتبر رمزا للتعايش والتسامح، ورغم أنه يعيش في عصر يختلف عن عصر والده وعصر جده، فهل ستسمح الإمبراطورية الأمريكية، بلد الحريات والتسامح والعدالة، بانتخابه رئيساً، بعد أن فاجأت العالم، قبل أعوام قليلة فقط، بانتخاب رئيس أسود، أم سيكون لها رأي آخر؟!. هذا ما سنعرفه قريبا.