د. أحمد الفراج
أحيانا، يحدث أن يكون أحدهم على موعد مع التاريخ، دون سعي وراء ذلك، ومن هؤلاء الرئيس الأمريكي، قروفر كليفلاند، والذي حكم أمريكا لفترتين رئاسيتين، ولكنهما فترتين غير متعاقبتين، فقد فاز كليفلاند بالرئاسة للمرة الأولى، في عام 1884، وخرج من البيت الأبيض، بعد انتهاء فترته، أي بعد أربع سنوات، ثم فاز بالرئاسة مرة ثانية، في عام 1892، وعاد إلى البيت الأبيض، وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي يحصل له ذلك، والجدير بالذكر أن هذا الرئيس خسر الانتخابات في عام 1988، على الرغم من فوزه بأغلبية أصوات الشعب الأمريكي، وهنا يحسن أن أذكركم بما كتبت عنه كثيرا، عن الحراك السياسي لأمريكا، وأسميته :»الديمقراطية المنتقاة»، وهي حصرا في أمريكا، إذ من الممكن أن يفوز المرشح للرئاسة بغالبية أصوات الشعب، ويخسر الانتخابات، وهذا لأن من يحدد الفوز هي أصوات المندوبين الذين يمثلون الشعب، وليست أصوات الشعب المجردة ذاتها، وقد شرحت هذه العملية المعقدة في مقالات عديدة !.
الرئيس الديمقراطي كليفلاند، والذي بدأ حياته السياسية كمأمور بوليسي لإحدى المقاطعات في ولاية نيويورك، ثم انتخب عمدة لمدينة بافلو التاريخية بولاية نيويورك، ثم أخيرا حاكما لولاية نيويورك، يعتبر أحد أشهر الرؤساء المحافظين في التاريخ الأمريكي، إذ أن الحزب الديمقراطي كان هو الحزب المحافظ في ذلك العصر، بينما كان الحزب الجمهوري، حينها، هو حزب التسامح، الذي يقف مع حقوق الأقليات، وذلك بعد أن حرر الرئيس الجمهوري، ابراهام لينكولن، السود من العبودية، وغني عن القول إن الوضع تغير بعد ذلك، فبعد إقرار الرئيس الديمقراطي، ليندون جانسون، لقانون الحقوق المدنية، وهو القانون الذي أقر المساواة بين السود والبيض، في ستينات القرن الماضي، أصبح الحزب الديمقراطي هو حزب الأقليات، والحزب الجمهوري هو حزب المحافظين، وذلك في تبادل أدوار مشوق، لمن يتابع الحراك السياسي في الإمبراطورية الأمريكية.
ولم يكن فوز الرئيس كليفلاند بفترتين رئاسيتين غير متعاقبتين هو الحدث التاريخي الوحيد، فهو أيضا فاز بالرئاسة كسياسي أعزب، ثم تزوج بعد ذلك، وبالتالي فهو الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي، والذي يقام حفل زفافه في البيت الأبيض، وتحديدا في الغرفة الزرقاء، أما سعيدة الحظ فقد كانت الفتاة الصغيرة، فرانسيس كليفلاند، ذات الواحد وعشرين عاما، والتي أنجبت له خمسة أبناء، وقد تقبلها الشعب الأمريكي بكل ود، نظرا لجمالها الأخاذ، وشخصيتها الآسرة، وكما نشاهد، فإن مسيرة هذا الرئيس، الضخم الجثة، فيها أحداث لم يسبقه إليها أحد، كأولويات تاريخية، وقد حصلت بمحض الصدفة، ما يعني أنه حتى ولو كان رئيسا فاشلا، فإن التاريخ سيذكره بها. هذا، ولكنه كان رئيسا جيدا على أي حال، فالمؤرخون الكبار يضعونه في مرتبة غير متأخرة، في قائمة الرؤساء الناجحين، رغم أنه لا يمكن أن يقارن بجورج واشنطن، وابراهام لينكولن، وفرانكلين روزفلت!.