علي عبدالله المفضي
درج كثير من الشعراء وعلى امتداد تاريخ الشعر على التشاؤم والتطيّر والنظرة السوداوية، وأوسعوا حظوظهم لوما وتقريعا وابكوا معهم وعليهم ومنهم من سمع قصائدهم أو قرأها، وقد يبالغ بعضهم في ذلك إما هرباً من واقع عجزه المتأصل في نفسه وعدم قدرته على مواجهة ما يتعرض له من عوائق تمر بغيره كما تمر به، أو للفت الانتباه إليه والتعاطف معه والإشفاق عليه.
وللشعراء فلسفة عجيبة تجاه الفرح إذ تجد منهم من يبكي ويتألم حتى من دواعي الفرح والسعادة كالعيد مثلا.
وفي بحث أجريته ونشرته هنا قبل سنوات عن نظرة الشعراء للعيد وجدت أن اغلبهم كتب عن حزنه في العيد كما في قول المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد
مع علمي أن الحرمان حافز قوي لكتابة الشعر، إلا أن ذلك عندما يكون الموضوع الذي يغلب على شعر الشاعر فان الأنفس تمل من الحزن والتشاؤم والشكوى، فالناس لديهم من الهموم ما يجعل أنفسهم تنفر ممن لا حديث لديه إلا همه وأساه وشكواه، وكأن الدنيا ليس فيها من الألوان إلا القاتم، فهل نمنح شعرنا نسمة عذبة من الصباح العذب وحزمة من أشعته وإشراقه، ونقول كما قال أبو القاسم الشابي:
خُذِ الحياةَ كما جاءتكَ مبتسماً
في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العدمُ
وارقصْ على الوَرِد والأشواكِ متَّئِداً
غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّت لكَ الرُّجُمُ
وأعمى كما تأمرُ الدنيّا بلا مضضٍ
والجم شعورك فيها، إنها صنمُ
فمن تآلّم لن ترحم مضاضتهُ
وَمَنْ تجلّدَ لم تَهْزأ به القمَمُ
هذي سعادة ُ دنيانا، فكن رجلاً -
إن شئْتَها - أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ!
وإن أردت قضاء العيشِ في دعَة ٍ
شعريّةٍ لا يغشّي صفِوها ندمُ
واجعلْ حياتكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً
في عُزْلَةِ الغابِ ينمو ثُمّ ينعدمُ
واجعل لياليك أحلاماً مُغَرِّدة ً
إنَّ الحياةَ وما تدوي به حُلُمُ