علي عبدالله المفضي
منذ أن كنا صغاراً وصوت بندر الدوخي - رحمه الله - يلقننا الجمال، والشعر، والعذوبة، فقد كان لاختياراته المتميزة للقصائد التي تنطلق من نبراته عبر أثير إذاعة الرياض أثراً بالغاً في المشاعر التي تتلقى مطر إحساسه الرقراق المليء بالعفوية، والاقتدار، والتمكن، فبندر الدوخي خامة صوتية عجيبة استطاع من خلالها اجتذاب الملايين وعشقهم لدفئها النادر. تتلمذ على يده وعن بعد الكثير من المؤدين للشعر - ولعلي أحدهم - فهو مدرسة بحد ذاته، ويستحق أن تنتهج طريقته المتفردة في الاختيار المدروس للنص الشعري، وإدخاله إلى معمله الخاص، وصهره وإخراجه بأسلوب آخر يعطي للنص الأصلي أبعاداً جديدة تضفي على النص وشاحاً من الجمال، والإبهار، والرسوخ في عقل ووجدان المستمع. الراحل بندر الدوخي قدَّم الكثير من البرامج المتنوعة منذ ما يتجاوز الأربعين عاماً استطاع من خلالها أن يترك بصمة واضحة في خارطة الإذاعة، ومكانة رائعة في مشاعر الناس، وبالإضافة إلى ذلك فهو كإنسان يتميز بعلو الخلق، والتعامل الراقي مع جميع معارفه،كان حظّي كبيراً أن التقيت به في إذاعة الرياض كنجم وأستاذ، ثم كزميل وصديق ودود عذب المعشر، كان بسيطاً في التعامل عن غير ضعف، وكبيراً في الفكر والعمل والأداء من غير كبر. كان آخر لقاء لي معه تجاوز الثلاث ساعات، وذلك قبل ما يقارب الشهرين، وكان هو هو بندر الدوخي العاشق لعمله وجمهوره وزملائه، وكان الحديث حول البرامج والوعد بالعمل على إيجاد أفكار لبعض برامج إذاعية، والمشاركة بإعدادها وتقديمها. إنه الرجل النقي الذي أحب الجميع بكل صدق، وأحبه الملايين عن غير قرب، ودعت له القلوب قبل الألسن بالرحمة والمغفرة رحمه الله ووالدينا وجميع موتى المسلمين رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.