خالد بن حمد المالك
عندما يقف لبنان على لسان وزير خارجيته جبران باسيل موقفاً لا يدين إيران بإحراقها سفارة المملكة وقنصليتها في كل من طهران ومشهد خلال الاجتماع الوزاري لكلٍّ من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بينما يدين بقية الوزراء هذا العمل الإرهابي الجبان الذي يتعارض مع أبسط الأعراف الدبلوماسية، ويتنافى مع القوانين الدولية، مدفوعاً هذا الوزير البائس بتوجيهات يتلقاها من حزب حسن نصر الله الذي يصادر إرادة الدولة اللبنانية مدعوماً من إيران وبشار الأسد وميشيل عون، فهو يجهل أنه بذلك إنما يصوت بحكم مركزه كوزير للخارجية باسم لبنان واللبنانيين جميعاً، وينسى أنه يعبر عن الموقف اللبناني من إحراق السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، وأنه بهذا الموقف إنما يثير الانتباه إلى أنه إما أن يكون غائباً أو مغيباً عن التمثيل الحقيقي للبنان في شجب هذا العمل الإرهابي الذي حدث لدولة عربية شقيقة للبنان على الأرض الإيرانية وأُدين عالمياً.
* * *
ومن المؤكد أن اللبنانيين المنتمين لوطنهم بإخلاص لا يعولون أبداً على هذا الوزير الذي باع ضميره للشيطان، وإن كان موقفه الصادم بلا قيمة لأن يكون لبنان - وهو المختطف والمصادر قراره من حزب الله - إلى جانب الدول الأخرى أو لا يكون في شجبها للإرهاب الإيراني المدان عالمياً، القيمة الحقيقية أن يبقى لبنان حراً وسيداً كما هو في ضمير الشرفاء من اللبنانيين، وأن يتفهم اللبنانيون أن المملكة العربية السعودية كانت وستبقى سنداً وعضداً وداعماً قوياً لهم، دون أن يكون لهؤلاء الصغار المحسوبين على إيران أي أثر أو تأثير في توتير العلاقة الأخوية الصادقة بين شعبي المملكة ولبنان، وأن يكون ما هو مفهوم لنا ولهم، أن عملاء إيران في لبنان وبينهم هذا الوزير لن يؤثروا على هذه العلاقة التاريخية بموقف مشبوه يعلنه من يدير ظهره للعرب ويتجه إلى إيران مستجيباً لأوامرها، ومذعناً لتوجيهاتها، وملبياً بخزي وعار لما تقوله له عبر عمليها حسن نصر الله.
* * *
لبنان الذي عجز العالم عن إنهاء حربه الأهلية التي دامت خمسة عشر عاماً، واستطاعت المملكة بحسها القومي وشعورها الإنساني ومحبتها للبنان واللبنانيين ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع أن تنهيها في أيام، حين جمعت الفرقاء اللبنانيين في الطائف وتوصلت معهم إلى توافق أنهى الحرب بفضل حكمة قيادة الملك فهد آنذاك، حيث تم التوصل إلى ما سمي لاحقاً بـ(اتفاق الطائف) رغم كل التعقيدات والتحديات والصعوبات، ولبنان هذا هو المدعوم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً من المملكة على مدى التاريخ دون مَنٍّ أو اشتراطات أو إملاءات، كما هو لبنان الذي يستثمر أبناؤه في المملكة بلا حدود أو قيود، ويعملون فيه دون سقف محدد لعددهم، فتذهب إليه المليارات من تحويلاتهم دون حجر أو مضايقات دعماً لاقتصاد بلدهم، مثلما هو الوجهة السياحية المفضلة لأبناء المملكة قبل أن يتحكم ما يسمى حزب الله بإرادته ويصادر القرار فيه، حيث كان إنفاق السواح السعوديين يسمح لأماكن السياحة من فنادق ومطاعم ومنتزهات وتسوق وأيدٍ عاملة من تحسين أوضاعها بفضل السعوديين الأكثر تردداً على لبنان الشقيق.
* * *
والمملكة لا تكتفي بذلك، ولا يسمح لها حبها وتعاطفها ومواقفها مع اللبنانيين أن تتركه للأقدار، تعصف به من كل حدب وصوب، في ظل الفوضى التي سببها الاختراق الإيراني المهدد لأمنه واستقراره، المتمثل في الدور الإيراني النشط والفاعل والمستمر في إثارة الصراع الطائفي بين اللبنانيين ليكون مدخلاً للسياسة الإيرانية في إثارة الفتن بين مكونات الشعب اللبناني ومذاهبه ودياناته، وإنما ظلت المملكة وعلى مدى سنوات ومع كل التقلبات السياسية في لبنان الدولة الوحيدة التي تدعم الخزينة اللبنانية بالمال، وتعاضد الجيش اللبناني ومثله قوات الأمن الداخلي بالسلاح، وهو دعم للبنان ولكل اللبنانيين، دعم لكل المذاهب والديانات، حيث يتشكل الجيش وقوى الأمن منهم جميعاً، وهو دعم معلن ولم يكن لحزب أو تنظيم، ولم يتم تهريباً أو في الخفاء أو لذي هدف غير مصلحة لبنان واللبنانيين، فماذا فعلت إيران وماذا قدمت للبنان في مقابل ما قدمته المملكة غير تفريغه من مؤسساته ورئاسته الأولى، ووضعه على عتبة الإفلاس والفوضى التي تعصف به الآن.
* * *
كانت المملكة قد أدركت مبكراً أن قطاعي الجيش وقوى الأمن في لبنان من دون أسلحة ومن غير عتاد تكفي لقيامهما بحفظ الأمن داخلياً وحماية البلاد من أي عدوان خارجي أمر غير ممكن، فجاء تبرعها السخي والكبير بما يغطي احتياج القطاعين من الأسلحة وبتكلفة تصل إلى أربعة مليارات دولار، تعاقدت على تأمينها مع فرنسا مباشرة، ولم تكن تسعى بهذا الدعم لتسليح الجيش وقوى الأمن الذي لم يسبق للبنان أن حصل على مثله من أي دولة في العالم أكثر من أن ترى هذه الشقيقة قادرة على حفظ أمنها واستقرارها بتوفير سلاح نوعي ومتطور يساعدها في تحقيق ذلك، غير أن وزير خارجيتها المحسوب على إيران وبشار الأسد وحسن نصر الله وميشيل عون أراد أن يفسد هذه العلاقة المتميزة بين المملكة ولبنان بهذا الموقف المشبوه في تصويته في الاجتماعات الوزارية في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وهو بهذا التصرف الرافض لإدانة إيران يبدو أنه يجهل طبيعة العلاقة السعودية - اللبنانية وأن الشعب اللبناني مكانه في القلب لدى السعوديين ولن يغيره هذا الموقف البائس، أما الدعم العسكري المشار إليه فليس هذا زمانه ولا مكانه في ظل هذا الموقف الرخيص الذي وقفه وزير خارجية لبنان، ولهذا جاء قرار إلغاء هذه الصفقات ليفهم اللبنانيون من هو مع لبنان داعماً ومسانداً ومحباً، ومن هو ضد لبنان ويتآمر عليه، ويعرض مستقبله وأمنه للخطر.
* * *
إنه موقف سعودي حازم بامتياز ككل مواقفها التي تتوالى، إِذْ لا يصح أن تبقى المملكة الدولة الأولى في تعاطفها ودعمها ومساندتها للبنان، بينما هناك من يطعنها ليس في الخلف فقط، وإنما في الأمام أيضاً، فيما كان على المسؤول اللبناني أياً كان أن يفكر في مصلحة لبنان، أكثر من أن يكون رهانه ودفاعه ومواقفه محسوبة لصالح إيران، وأن تكون حساباته مبنية على طبيعة ونسيج الشعب اللبناني الذي تجمعه عرى العروبة مع إخوانه العرب وفي طليعتهم المملكة بحكم تباين الديانات والمذاهب في مكونات الشعب اللبناني، وهو ما يعني بحكم عروبة لبنان أن يكون الانحياز إلى العرب وإلى الحق في مواقفهم وليس إلى إيران التي تتآمر على العرب، وتسعى لإثارة الفتنة فيما بينهم كما تفعل الآن في لبنان وغير لبنان، وهو ما يجب أن يفهمه وزير خارجية لبنان وكل عملاء إيران في لبنان.
* * *
أما لبنان الذي نقدر شعبه فسوف يبقى بلداً عربياً شقيقاً يحبه السعوديون، لأن مثل هذا الموقف الذي وقفه الوزير اللبناني لا يمثل اللبنانيين وهو إلى زوال، ولن تستمر إيران في وضع يدها على مقدرات هذا الوطن الحبيب إلى الأبد، وسيعود لبنان واحة محبة كما يريد له الشرفاء من أبنائه، وكما يريده العرب جميعاً بأن يكون بلداً للسلام والتعايش وتعاطي أفضل العلاقات مع أشقائه العرب، فليس له غير هذا الطريق، وليس أمامه من خيار آخر غير خيار العروبة، وهذه السحابة السوداء القاتمة كقتامة عمائم الإيرانيين السوداء وعميلهم حسن نصر الله سوف تنقشع، ويعود لبنان الحر الأبي الذي نعرفه إلى أصله عربياً أصيلاً يرفض الذل والخضوع والخنوع لأعدائه والمتآمرين عليه في الداخل والخارج.