خالد بن حمد المالك
على مقربة منا بدأت منذ بعض الوقت تُقرع طبول الحرب بأكثر مما كانت عليه من قبل، فالحدود السورية - التركية ملتهبة وعاصفة، وتنذر بما لا يمكن تقدير أبعاد ما يجري هناك، فالحسابات والتقديرات على ما هو ظاهر شيء وما يخفيه العملاقان روسيا وأمريكا شيء آخر، كما أن تسارع الأحداث، وتوسع ساحات الصراع، وتصاعد حدة الإعلام، يقربنا إلى ما هو أسوأ في قادم الأيام ما لم يعد اللاعبون الصغار والكبار إلى تحكيم العقل، واستخدام لغة الحوار الهادئ بدلاً من لغة السلاح.
***
هل ستكون التطورات الخطيرة على الحدود السورية التركية بداية لمعركة غير محسوب ومقدر ما سيتولد عنها من كوارث؟ وهل ستجر إلى مستنقعها النتن دولاً أخرى، لتطول بأضرارها وتداعياتها أخرى؟ فيما العقلاء - إن وجدوا - ما زالوا يتفرجون على المشهد غير آبهين بما هو متوقع، أو مكترثين بما قد يأتي، وكأنه لا يعنيهم، مع يقينهم أن كل الاحتمالات واردة، وأن حرباً موسعة لا يمكن استبعادها أو فصلها عما يتم، إن لم يكن تحضيراً لما هو أخطر، أو مكرر لدمار شامل كان شهده العالم في حروب عالمية سابقة بفعل تصرف كهذا الذي يجري الآن في منطقتنا وتشارك فيه أغلبية دول العالم إن على مستوى المؤسسات والمنظمات والأفراد، أو بتدخل الدول بإمكاناتها العسكرية الهائلة.
***
يجب ألا نهوّن من وصول العلاقات الروسية التركية إلى هذا المستوى المتردي من السوء، أو نستبعد عدم استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في موقفها المهادن حالياً، في ظل تأثير التدخل الروسي في سوريا على خط الأمن التركي بعد أن وصلت قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بدعم روسي إلى الحدود مع تركيا، وهو ما يعني بالمفهوم التركي دعماً لحزب العمال التركي الذي يشكل معارضة كردية مسلحة قوية داخل تركيا، خاصة وأن أمريكا أرسلت إشارات تدعو فيها تركيا إلى تجنب الصدام مع روسيا على خلفية هذه التطورات على الحدود، ما جعل الرئيس التركي يسارع إلى عدم القبول بهذه التطورات المضرة ببلاده، وأنه سيستخدم كل إمكاناته العسكرية غير عابئ بنصائح الأمريكيين، وذلك للحفاظ على منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، تمنع مسلحي الأكراد السوريين من الاقتراب إلى مواقع حدودية تشكل خطراً على تركيا.
***
هل نحن إذاً أمام حرب قادمة لا تقتصر على ما يجري في سوريا والعراق الآن؟ وما هو الموقف الأمريكي المتردد والغامض من ذلك؟ هل ستكتفي روسيا بالحفاظ على بقاء نظام الأسد؟ أم أن طموحها أن تعود قوة أولى في منطقتنا، بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن دورها وأصدقائها ومناطق نفوذها لروسيا ليس فقط في إيران والعراق وسوريا، وإنما عن كثير من مصالحها إذا ما استمر الموقف الأمريكي على هذا النحو من الضعف والتردد وعدم وضوح الرؤية، بحجة عدم تكرار تجربة أمريكا في أفغانستان والعراق خلال ولاية الرئيس بوش الابن، مع أن الانتحار الحقيقي هو في هروب أمريكا من أي تطورات جديدة وليس في دخولها الحاسم من أجل الحفاظ على هيبتها ومصالحها ومصالح أصدقائها، وضمان الاستقرار في العالم.
***
أمريكا دولة كبرى عسكرياً واقتصادياً ولاشك، مدعومة من دول المجموعة الأوروبية، وتخليها عن قيادة العالم بمواقفها المترددة خذل شعبها كما خذل أصدقاءها، وأضر بمصالحها كما أثر على مصالح غيرها، وقوّى من قدرات روسيا على حساب إضعافها، وقد يأتي يوم لا تكون فيه الدولة العظمى الأولى في العالم التي يعتمد عليها ويوثق بها، إلا بقدر ما تقدمه للعالم الحر من مساندة ومناصرة، لا الوقوف في منتصف الطريق، أو على الحياد، أو من دون موقف، أو بموقف مضطرب ومتناقض، فهذه لا تفعله إلا الدول الضعيفة والصغيرة وغير المؤثرة، وهي حين تكون من أمريكا فهي فضيحة وكارثية، وتؤدي إلى ظهور لاعبين جدد، ومغامرين أكثر، ومستقبل مظلم.
***
وعلى الولايات المتحدة في ظل هذه التطورات أن تفكر جيداً بتداعيات الربيع العربي، الذي لا يمكن أن نقول عنها بأنها كانت بريئة منه، ولم تكن بأجوائه مسبقاً، ولا أن ننظر إليها وكأن ما حدث قد أزعجها أو لم يرضها، مع أنه قد جاء بنتائجه المرة حصاد هذه السياسات الأمريكية الخاطئة التي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الآن أن تتداركه بموقف مسؤول يعبر عن تأكيد ثقة العالم الحر بها، ويدفع بالجميع لأن يمدوا أيديهم تعاوناً دائماً معها لحفظ السلام وصون الاستقرار في العالم، وأمريكا إذا أرادت قالت وفعلت، وهي قادرة لأن تقود دول العالم إلى ما يعزز أمنه واستقراره بالفعل لا بالكلام!.