سلمان بن محمد العُمري
* التقى موظفان من جهتين مختلفتين في دورة تدريبية، وفي فترة الاستراحة تجاذبا أطراف الحديث عن عمل الجهتين فقام أحدهما بتقديم معلومات مغلوطة عن عمل الجهة الأخرى. وحين انتهى من «نشرة الأخبار المكذوبة» سأله صاحبه عن هذه الأخبار التي يرى بأنها مؤكدة ومصدره ودليله فحاور وناور وانتهى به المطاف كعادة هذا وأمثاله «يقولون» و»سمعت»!!
* في مجلسٍ من المجالس كان أحد الضيوف يتحدّث عن الأحوال الشخصية لرجل من المشاهير ويقدّم تفصيلات عن حياته منذ ولادته وحتى لحظة الحديث، وكان الرجل يتحدّث عن سيرته الذاتية، وسيرة والده، وذكر المتحدث شيئاً وغابت عنه أشياء، بل وتعدّى ذلك إلى أنّه ذكر معلومات قد تكون مسيئة للشخصيّة للمتحدّث عنها. انبرى أحد الجالسين للمتحدّث وقد ضاق بحديثه. فقال له: أمتأكّد أنت مما قدّمته من معلومات؟! فأزبد وأرعد هذا المتحدّث وغضب على السائل، وقال: إنه ليس من الأدب التشكيك في أحاديث الرجال وتخطئتهم، فقال له السائل مرة أخرى: رأيتك تتحدّث في أمور لا تعلمها وأردت تنبيهك حماية لعرض المتحدّث عنه، وحمايةً لك من الوقوع في البهتان، ودعني مما قلته وما تراه تشكيكاً في حديثك فمعنا في المجلس أخ المتحدّث عنه وبالطبع لم يكن يعلم أنّه في المجلس من له صلة بالمتحدّث عنه؛ فبيّن الرجل عدم صحّة ما طرق المتحدّث وما وقع فيه من أخطاء في عرض المعلومات عن شخصية أخيه، وأنهى حديثه متسائلاً عن مصدره وكان الجواب (سمعت بذلك من مصدر موثوق) فأكّد له الأخ ليس هناك من هو أعلم بالأحوال الشخصية للرجل من أهله وأسرته. فليتنا نمسك ألسنتنا عن أعراض الناس ولا ننقل شيئا قد يؤاخذنا الله عليه.
مثالان ضربتهما وما أكثر الأمثلة والشواهد على عجلة الناس وتسرّعها وانسياقها مع وكالة (يقولون) بل زاد على هذا من الأحاديث الشخصية في المجالس ودوائر العمل إلى وسائط التواصل الاجتماعي. فكم من متعجّل بعث برسالة وصلت إليه وعمّمها على جميع الأرقام في هاتفه، وكم من مغرّد «نعق» بتغريدة ونقل معلومة لم يتثبّت منها، وقد تحدث بلبلة اجتماعية واقتصادية وأمنية، وقد تكون في عرض الأشخاص. والأدهى والأمرحينما يستقبلها البعض وكأنّها حقائق فيعاودون بثّها ونشرها - أيضاً - وبلا تثبّت، وما أكثر الذي يتحدّثون بكلّ شيء استمعوا إليه، وما أكثر الذين ينشرون كل ما يرد إليهم. وقد نهينا في ديننا الحنيف أن نردّد كل ما سمعناه، فما رواه الإمام مسلم عن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - في صحيحه «عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع». وفي رواية لأبي داود «كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما سمع».
والإنسان العاقل الحصيف لا يحدّث بكل ما استمع إليه وينشر كل ما وصل إليه، وما وقع عليه سمعه وبصره من أقوال الناس المنطوقة، ورسائلهم المكتوبة. وليس من الحكمة أن يكون الإنسان كالببغاء يردّد ما سمعه من خيرٍ أو شر، وقد يكون المتلقّي للخبر والمعلومة والناشر لها لاحقاً متأثماً في نشر الإشاعات وترويجها ومساهماً في نشر الافتراءات غير الصحيحة في حق أفراد أو مؤسسات مما لا صحّة لها، والواجب الحذر وألا يتحمّل الإنسان وزر نشر الأخبار دونما تثبّت وتأكّد من صحتها ومصداقيّتها، والحذر ممّا حذّرنا الله - عز وجل - من مصيرهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النور.
والمصدر الأول للخبر سيتحمّل بلا شك وزر كل من نقل الخبر والمعلومة ولا يعفى من ينقل عنه حينما يتسبب في فتنة ويحدث مشكلة ويخلق اضطراباً ويهتك أعراضاً وحرمات، ولذا فالواجب علينا أن نعي وندرك أن ليس كل ما يقال ونسمعه ونقرأه، فكم من بيوت تهدّمت، وكم من آمال تحطّمت، وكم من علاقات تفسدت بسبب نقل غير منضبط، إننا غير ملزمين بنقل ما نسمعه وما نقرأه فليس كل ما يقال هو الحق وليس واجباً علينا البلاغ لكل ما نسمع، والأخطر حينما يكون ترديد الأخبار والمقولات مما له صلة بالمجتمع وأمنه فهذا ضرر بالغ والله - سبحانه وتعالى - أمرنا بالتثبّت وعدم الانسياق خلق كل مقولة وأن نتجنّب الإساءة لسمعة الأشخاص أو الهيئات أو المجتمع والانسياق خلف الأكاذيب، والواجب التثبّت ثم التثبّت. ولاسيّما في هذا الزمن الذي تكالب فيه شر الأشرار وكيد الفجار على البلاد والعباد.