د. حمد بن محمد آل فريان
يقول الباحثون من ذوي الاختصاص في التعليم: (إن الإنسان لا يمكن له أن يبدع بغير لغته الأم التي نطق أول ما نطق بها ونشأ منذ حداثته عليها مستمعاً إليها ومتحدثًا بها حتى تترسخ في ذاكرته ووجدرانه وعقله وحتى يتكون لديه إحساس عميق بها، وشعور مرهف لها وعلى هذا فإن الأمة العربية إذا أرادت لأجيالها أن يتفوقوا في دراستهم وأن يبدعوا في تخصصاتهم فعليها أن تعلمهم بلغتهم العربية الفصحى لأن الطالب العربي الذي يتعلم العلم بغير العربية يواجه صعوبات في فهم اللغة الأجنبية كلغة، وفي استيعاب المادة العلمية التي تعبر عنها اللغة الأجنبية كمضمون، لأن كل لغة من اللغات لها أصولها وقواعدها وضوابطها واشتقاقاتها وروابطها الجذرية مع عدد من اللغات الأخرى. وإذا علمنا أن الغربيين اتفقوا على نحت مصطلحات لغاتهم من جذور اللغة اللاتينية ومن جذور اللغة اليونانية بعد أن نقلوا تراث المسلمين ومنهم العرب إلى اللغات الغربية خاصة اللغتين اللاتينية واليونانية وإذا أدركنا أيضا جهل الطلاب العرب بهاتين اللغتين بل جهل غالبية المدرسين العرب والمتخصصين العرب بتلك اللغتين وقواعدها وضوابط الاشتقاق منها أدركنا الصعوبة والمشقة التي نضعها أمام الطالب العربي والمتخصص العربي حينما يفرض عليهم أن يتعلموا العلم بلغات أجنبية الخ) ما ذكره الباحث انظر تقديم كتاب الدكتور زهير أحمد السباعي بعنوان: (تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية). ويقول الدكتور أحمد بن محمد الضبيب (كل لغات العالم مرشحة لأن تقود أهلها إلى التقدم إذا ما تهيأ لها من نشاط أهلها ما يدفعها إلى ذلك)... ويضيف قائلاً: (لعل من أهم القضايا التي لم تجد مكانها في البحث الجاد لدينا دراسة أهمية اللغة في حياتنا بوصفها أداة للتنمية والتقدم وهي قضية لم تأخذ حيزًا واضحا في فكر القائمين على التخطيط للتنمية في البلاد العربية ولم يلتفت إليها الساسة وأصحاب الشأن عند وضع المشروعات المستقبلية فعلى الرغم من أن خططنا التنموية الشاملة تعنى بالإنسان بالدرجة الأولى إلا أنها تهمل بدرجة كبيرة كيفية الوصول بهذا الإنسان إلى الأهداف المرجوة من خلال اللغة التي هي بلا شك من أهم الأدوات لإحداث تنمية حقيقية وذلك بكونها الوسيلة الناجعة للتواصل ونقل المعرفة بين الأجيال ونشرها بين أفراد المجتمع لم يسأل أحد من هؤلاء المخططين نفسه عن اللغة التي نحتاجها لتخطي هوت التخلف واللحاق بالأمم الناهضة) ويواصل قوله( نجد تجاهلاً غريبا متعمد أو غير متعمد لتجارب الأمم المتقدمة في هذا الشأن لقد طرح سؤال عدة مرات منذ القرن التاسع عشر في مقال نشر في الجزء السادس من السنة السادسة لمجلة المقتطف عام 1881م عنوانه (اللغة العربية والنجاح) وتساءل عن قدرة الوضع اللغوي في ذلك الوقت لإيصال العرب إلى طريق النجاح. لقد كان الشعور بقوة الصلة بين اللغة واللحاق بركب الحضارة كان قويا بين مفكرينا ولا يزال يتردد في أنحاء الوطن العربي تارة في صورة نداءات فردية وأخرى في صورة مؤتمرات وندوات هنا وهناك كلها تشير إلى أهمية الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة باعتبارها رابطة اجتماعية فكرية من الدرجة الأولى ومن تلك المؤتمرات ما أقامته الأمة العربية ضمن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم). إلى أن قال: (ما أكثر ماقيل عن أهمية تعريب العلوم وما أكثر ما كتب من كتب وأبحاث تثبت بأن التعريب هو الخطوة الضرورية المهمة التي سوف تنتشل الأمة العربية من التخلف إلى التقدم) وختم مقاله: بأن الأمة العربية تستطيع أن تحقق الكثير علميا واقتصاديا وأن تدخل ساحة الإبداع والإنتاج ومايتبعها من ساحات الرخاء والرفاه حينما ترسخ الأمة اتصالها بلغتها الأم (اللغة العربية) الفصحى وتمكينها من الحضور الكامل اهتمامًا بالهوية ودفاعًا عن الشخصية الوطنية وحرصًا على الكرامة العربية وحرصا على السير في الاتجاه الصحيح) انظر مقال الدكتور أحمد الضبيب المنشور في جريدة الجزيرة بتاريخ 6 ربيع الأول عام 1431هـ.
وفي السياق نفسه يقول محمد مراياتي كبير المستشارين للعلم والتكنلوجيا في التنمية المختص في معالجة اللغات الطبيعية (إن القول بعدم قدرة اللغة العربية على استيعاب المجالات الحديثة غير مقبول علميًا لأن اللغة هي أداة ووسيلة لانتقال وتوثيق المعلومات في أي مجتمع ويشبه الاقتصاديون اللغة بالنقد وهو موقف علمي فالنقد وسيلة تستعملها المجتمعات لتبادل السلع أو الأصول المادية واللغة هي أداة ووسيلة لتبادل الأصول غير المادية ونعني بها المعرفة فهذه هي قيمة اللغة في الاقتصاد وفي المجتمع فإذا كانت هذه الأداة غير مهتم بها يدفع المجتمع ثمناً اقتصادياً ومعرفياً وهذا هو الواقع القائم في العلم العربي فنحن العرب ندفع ثمناً غالياً جداً لأن القوى العاملة في المجتمع العربي تفتقر لهذه الأداة لتبادل المعرفة نحن نتكلم عن مجتمع المعرفة ولا توجد معرفة بلغة هذا المجتمع لأننا ندرس المعرفة بلغة أخرى هي الإنجليزية وهذه اللغة التي نتعلم بها مختصة بنخب من المجتمع العربي أما القوى العاملة الكبرى التي نحتاج لتبادل المعرفة لكي تنجح فلا يعطيها العرب المعرفة بلغتها وهذا خطأ كبير جدا يقترفه أساتذة الجامعات ومتخذي القرار ويخلطون ما بين مسألتين أساسيتين الأولى إتقان اللغة الإنجليزية وهو ضرورة ولابد منها ويجب أن نصرف عليها، المسألة الثانية التعليم باللغة الإنجليزية فهاتان مسألتان مختلفتان منفصلتان يقول البعض بالدمج بينهما وهذا خطأ كبير ولا يقترفه في العالم إلا أمتنا العربية فكل أمم العالم حتى الصغير منها الذين لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين لم يقترفوا هذا الخطأ) إلى أن قال: (مطلوب قرار سياسي يصحح هذا الخطأ الإستراتيجي ويصحح مفهوم النخبة المثقفة والاقتصاديين إلى مجتمع المعرفة بأن تكون هناك معرفة باللغة العربية تستفيد منها أكبر فئة منتجة في المجتمع العربي)، وأضاف قائلاً: (إن تعليم العلوم باللغة الإنجليزية قرار اتخذ بشكل غير مدروس لم يدرس أحد أبعاده الاقتصادية والخسائر المترتبة عليه يقولون ما دام العلم بالإنجليزية ندرسه بالإنجليزية وهو أمر غير مبني على أسس منطقية نحن بحاجة لأخذ الأمور بحسابات ومؤشرات رقمية وبالأبعاد والمبادئ التخطيطية) انتهى انظر المقال المنشور في جريدة الجزيرة بمناسبة انعقاد حلقة نقاش حول (آفاق الريادة) لمركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية.
وفي السياق أيضا يمكن الرجوع إلى (ملتقى اللغة العربية والطفل) الذي عقد في جامعة الأميرة نورة رحمها الله برعاية كرسي الجزيرة ونشر عنه في جريدة الجزيرة بتاريخ 2 جمادى الأولى عام 1436هـ وجاء فيه إن اللغة العربية لغة ديننا ولغة الثقافة والتراث والهوية وأداة التواصل بين أبناء الأمة العربية وانطلاقًا من الشعور بالمسؤولية تجاه دعم اللغة العربية وتعزيز وجودها والعمل على مساندتها وخصوصًا أنها تخوض الآن تنافسًا حادًا مع اللغات الأخرى المعاصرة. يقول الملتقى إن اهتمام الملتقى باللغة العربية يتمثل في جانبين أحدهما أن جامعة الأميرة نورة تضع من أهدافها تعزيز اللغة العربية بكل قوة لتكون لغة منتجة كما هو حال اللغات الأخرى فالجامعة تحرص على الارتقاء بجودة ما تنتجه الجامعة من دراسات وابحاث باللغة العربية خاصة في المجالات العلمية أما الجانب الآخر الذي تهتم به الجامعة فهو الاهتمام بدعم لغة الأطفال العربية فمن أساسيات الحفاظ على اللغة تعليمها للأجيال المتعاقبة بما يضمن أن يتقن الأطفال لغتهم الأم وأن يقبلوا على تعلمها بحب واعتزاز باعتبارها لغتهم الأولى الجديرة منهم بالتقدير والاحترام فأطفال اليوم هم بذور اليوم الذي نتطلع فيه إلى ثمارها في الغد وهم الذين يعول عليهم في أن يحملوا مسئولية الحفاظ على اللغة العربية لتبقى مزدهرة إلى الأبد). هذا التوجه لجامعة الأميرة نورة يستحق الإشادة والتقدير والثناء إنه الإخلاص في أسمى درجاته. وفي السياق أيضا يقول الدكتور عبدالله العثيمين (لغة أي أمة موضوع مهم تحدث عن أهميته الكثيرون وأن من المسلم بصحته لدى الباحثين في تاريخ المجتمعات والحضارات الإنسانية أن اللغة من أهم دعائم الأمة إن لم تكن أهمها وهذا الأمر المسلم بصحته هو الذي جعل الأمم الراقية قديمًا وحديثًا تحرص كل الحرص على المحافظة على كيان لغاتها والتمسك باستعمالها وحدها تحدثا وكتابةً والدفاع عنها ونشرها بين أمم أخرى) إلى آخر ما أورده انظر مقاله المنشور في جريدة الجزيرة بتاريخ 19 محرم 1434هـ. وإذا كان الحال كما وصف ألا يمكن القول إن من حق اللغة العربية أن يصدر بشأنها ضوابط تحدد ماهو واجب إزاءها من حماية ورعاية وسيادة في التعليم وأن يحدد مجال اللغات الأجنبية بحيث يكون مقتصرًا على تعلمها فقط باعتبارها درسًا من الدروس في نطاق المناهج المقررة ويكون التعليم باللغة العربية فقط لجميع المواد وبخاصة مايدرس الآنغير العربية. وأليس من حقها أن تترجم إليها جميع المقررات والماراجع للعلوم التي تدرس حاليا بغير اللغة العربية في اقرب وقت وأن يتبع ذلك اثراء اللغة العربية بترجمة جميع العلوم إليها ومتابعة ترجمة المستجدات باستقصاء وشمولية لما هو نافع. وأليس من الأهمية بمكان أن يقتصر في تعليم الطفل على لغته العربية فقط وبعد إتقانها يمكن أن يتعلم اللغة الأخرى التي تدعو الحاجة إليها، والحاجة تقدر بقدرها ولأهمية اللغة أوصى بعض الباحثين الغربيين بأنه إذا أريد التأثير على مستقبل أمة من الأمم دون مواجهة فينبغي أن توجه الجهود إلى لغة تلك الأمة وسيتم المراد انظر (ملتقى اللغة العربية والطفل).