د. عبدالواحد الحميد
ليس غريباً أن تعلن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، أن أربعاً وأربعين بالمائة من المشاريع التي تابعتها خلال الفترة الممتدة من عام 1433 هـ إلى 1435هـ قد تعرّض للتعثر.
فهذا التعثر يلحظه المواطن وهو يرى مشاريعَ للطرق داخل المدن متعطلة لسنوات عديدة بسبب مشكلات في تنفيذ الأنفاق أو الجسور أو مبانٍ مدرسية مهجورة، قبل الانتهاء من «تشطيبها» أو مبانٍ لإدارات حكومية مشرعة للريح والشمس والغبار، ولم تنتقل إليها تلك الإدارات بسبب مشكلات تتعلق بإيصال الخدمات الضرورية لتلك المباني.
وقد حدد المهندس خالد البابطين مدير العقود والمشاريع في «نزاهة» بعض أسباب هذا التعثر في ورقة قدمها في ملتقى الإنشاءات والمشاريع الثالث الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بالرياض في الأسبوع الماضي، فقال إن هناك مداخل للفساد بسبب ضعف المستوى الفني لجهاز الإشراف في الجهة صاحبة المشروع، والتوسع في الاعتماد على مقاولي الباطن، وغير ذلك من مداخل الفساد التي حصرها في «الرشوة، والتزوير، وتبديد المال العام والتفريط فيه، واستغلال النفوذ الوظيفي، والاختلاس وإساءة استخدام السلطة».
هناك من يرى أن طفرة المشاريع التي حملتها ميزانيات الدولة خلال السنوات الماضية، ربما كانت أكبر من القدرة الاستيعابية للاقتصاد، مما أدى إلى التعثر في تنفيذ الكثير منها. وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍ ما، فلكل اقتصاد قدرة استيعابية محددة في المدى القصير والمتوسط حتى لو توفرت رؤوس الأموال لدى القطاع الحكومي والقطاع الخاص. لكن ذلك، قطعاً، لا يفسر وحده التعثر الكبير الذي بلغ 44% من المشاريع التي تابعتها «نزاهة» في ثلاث سنوات.
أما وقد تغيرت الظروف المالية والاقتصادية بعد الهبوط الشديد في أسعار النفط وتناقص دخل الدولة، فإنّ المواطن الذي طالما أحزنه وأقلقه تعثر المشاريع يتطلع الآن إلى تنفيذ المتعثر منها سابقاً ويرجو ألا يستمر التعثر بحجة تأخر صرف مستحقات المقاولين المنفذين للمشاريع.
إن تعثر تنفيذ المشاريع هو مصادرة وتعطيل لمسيرة التنمية في وطننا الغالي، الذي على الرغم من تحقيقه لإنجازات تنموية ضخمة، يظل بحاجة إلى الكثير جداً منها، وبخاصة في مجال الخدمات العامة التي تمس حياة المواطن مباشرة مثل الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية ومشاريع البُنية الأساسية. لذلك فإنّ المأمول أن تشهد المرحلة الحالية مزيداً من اليقظة للحيلولة دون تعثر المشاريع، سواء تلك التي يتسبب في تعثرها الفساد بأشكاله المختلفة ومداخله المتعددة، أو تلك التي تتعثر لأسباب فنية.